الشرك بالله والقلوب الفارغة ” جزء 9″

الدكرورى يكتب عن الشرك بالله والقلوب الفارغة ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروى

الشرك بالله والقلوب الفارغة ” جزء 9″

ونكمل الجزء التاسع مع الشرك بالله والقلوب الفارغة، وإياكم ما هو الموت إنه الحقيقة الواضحة التي ستأتيك إما اليوم أو غدا، فصدق من قال فدع عنك ما فات في زمن الصبى واذكر ذنوبك وابكها يا مسلم، لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب فالليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب، أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخي الوهم تعب الذنب بالذنب وتخطي الخطأ الجم أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب وما في نصحه ريب أما نادى بك الموت أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم فكم تسير في السهو وتختال من الزهو وتنفض إلى اللهو كأن الموت ما عم كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم فزود نفسك الخير.

ودع ما يعقب الضير وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم بذا أوصيك يا صاح وقد بحتك من باح فطوبى لفتى راح بآداب محمد يأتم، وقال الإمام علي رضي الله عنه “للمرائي ثلاث علامات، يكسل إذا كان وحده، وينشط في الناس، ويزيد في العمل إذا أثنى عليه، ويُنقص إذا ذم به” وهذا أبو أمامة الباهلي يأتي على رجل وهو ساجد يبكي في سجوده يدعو فيقول له “أنت أنت لو كان هذا في بيتك” وقال الحسن البصري رحمه الله “المرائي يريد أن يغلب قدر الله فيه، هو رجل سوء يريد أن يقول للناس هو صالح، فكيف يقولون وقد حلّ من ربه محل الأردياء” وقال بعض الحكماء مثل من يعمل رياء وسمعة كمثل من ملأ كيسه حصى، ثم دخل السوق ليشتري به، فإذا فتحه بين يدي البائع افتضح وضرب به وجهه، فلم يحصل له به منفعة سوى قول الناس ما ملأ كيسه.

ولا يُعطى به شيئا، فكذلك من عمل للرياء والسمعة لا منفعة له في عمله سوى مقالة الناس، ولا ثواب له في الآخرة حيث قال الله تعالى في سورة الفرقان “وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا” أي يبطل ثواب الأعمال التي قصد بها غير ربه تعالى، وتصير كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يُرى في شعاع الشمس، فإن كل شيء هالك إلا وجه الله عز وجل، فإن الموت لا مفر منه ولا مهرب وإن الحقيقة الأولى في هذا الوجود هي وحدانية الله سبحانه وتعالي وهي أن تقر بهذه الحقيقة وهي لا إله إلا الله، ثم الحقيقة الثانية هي أن كل شيء هالك إلا وجه الله تعالي، فمن منا يفكر بالموت؟ ومن منا يذكر الموت؟ ومن منا يستعد للموت؟ ومن منا عمل لهذا اللقاء؟ ومن منا عمل للقاء الله جل وعلا؟ ومن منا استعد لسؤال الملكين في دار الحقيقة دار البرزخ، دار الصدق.

دار الحق؟ ومن منا استعد؟ وما من يوم يمر علينا إلا ونشيع فقيدا، ما من يوم يمر علينا إلا ويموت بيننا ميتا أو ميتة، ولكن ربما ذهبنا معه إلى القبور، وربما رأينا الموت حقيقة أمام أعيننا وبين أيدينا ولكن إذا نظرت إلى الناس وجدتهم ينسون الموت، ويتكلمون في أمور الدنيا، وهذا هو الحال، ولكن اعلم أنه لا مفر لك، وحتى تعلم أنه لا يمكن لأي قوة على ظهر هذه الأرض أن تحول بين الإنسان وبين هذه الحقيقة الكبرى مهما كانت تلك القوة، مهما كان منصبه، ومهما كان جاهه، ومهما كانت أموالك، ومهما كان غناك، فلن تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تحول بينك وبين هذه الحقيقة، إنها حقيقة الموت، وإن الله عز وجل قد كرم الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام ومن ذلك أنه سبحانه وتعالي، قد زود نبي الله يحيى عليه السلام بمؤهلات لحمل الأمانة الكبرى والمسئولية العظمى.

وهذه المؤهلات هي في قوله تعالي كما جاء في سورة مريم ” وآتيناه الحكم صبيا، وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا، وبرا بوالدية ولم يكن جبارا عصيا” وبعد هذه الصفات الغالية التي زود الله بها نبيه يحيى عليه السلام، يسلم الله عز وجل عليه فيقول “وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا” وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى يسلم عليه في مواطن ثلاثة هي أشد ما تكون على الإنسانن وهو يوم أن يولد، ويوم أن يموت ويوم أن يبعث حيا ليلقى الله عز وجل الحي الذي لا يموت، فيسلم الله تعالي عليه في هذه الأحوال الثلاثة وفي هذه المواقف الثلاثة، وقد ذكر الإمام ابن كثير عن قتادة أن الحسن قال التقى نبي الله يحيى وعيسى عليهما السلام، فقال عيسى ليحيى ادعوا الله لي فإنك أفضل مني، فقال يحيى لعيسى بل أنت أفضل مني يا عيسى، فقال عيسى لا يا يحيى، بل أنت أفضل مني لأنني أنا الذي سلمت على نفسي فقلت، كما قال الله تعالي في سورة مريم ” والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا” أما أنت فقد سلم الله عليك فقال “وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا”.