الدكرورى يكتب عن خزيمة بن
ثابت الأنصاري “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، وفى وقعة الجمل فقد لحق بالإمام علي بن أبى طالب، من أهل المدينة جماعة من الأنصار وفيهم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، فهل لحقه ليشيم سيفه ويكون من المتفرجين كما يقول من قال انه لم يقاتل حتى قتل عمار بن ياسر بصفين، ثم قيل عنه رضى الله عنه، في صفة دخول علي البصرة ” ثم تلاهم فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفا منتكب قوسا معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس فقلت من هذا فقيل هذا خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين، وقد وردت هذه القصة في الحديث الذي رواه خزيمة بن ثابت ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشترى فرسا من سواء بنِ الحارث فجحده فشهد له خزيمة بن ثابت.
فقال له رسول صلى الله عليه وسلم ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضرا فقال صدَقتك بما جئت به وعلمت أنك لا تقول إلا حقا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة أو شُهد عليه فحسبه” فلذلك كانت شهادة خزيمة بن ثابت تعدل شهادتين، وقد قال الخطابي في تفسير شهادة خزيمة إن الشهادة لا تُؤخذ من أي شخص فقط لأنه يُصدّق كل ما يسمع، ولكن أخذت شهادة خزيمة بن ثابت، لأنها لم تكن في أي شخص، بل كانت في حق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لما عُرف عنه من صدقه، وأمانته، ولذلك قُبِلت شهادته، وجعلها الرسول صلى الله عليه وسلم بشهادة رجلين، وأمّا الحافظ فقد قال في شهادة خزيمة إن سبب اختصاص الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت.
بهذه الشهادة دون غيره من الصحابة هو فطنته، وسرعته في المبادرة إلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف، وقال ابن القيم في ذلك إن شهادة خزيمة بن ثابت كانت بشهادتين، لأنها تضمنت شهادته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصديق العام، بالإضافة إلى شهادة المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا، فعندما كان الصحابي الجليل خزيمة في ذلك الموقف وحده دون غيره من الصحابة، كانت شهادته بشهادتين، وقال إن شهادته وحده خاصة به، وقد قبلها الخلفاء الراشدين، ومن أخباره يوم صفين أن معاوية بن أبى سفيان أرسل إلى رجال من الأنصار فعاتبهم منهم خزيمة بن ثابت، وقد روى أن ابن أبي ليلى.
قال “كنت بصفين فرأيت رجلا أبيض اللحية معتما متلثما ما يرى منه إلا أطراف لحيته يقاتل اشد قتال فقلت يا شيخ تقاتل المسلمين فحسر لثامه وقال نعم إنا خزيمة بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قَاتل مع علي جميع من يُقاتله” وقتل خزيمة بصفين سنة سبعة وثلاثين من الهجرة وهو يقاتل في صف رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب، وقال نصر انه قتل في وقعة الخميس وقال ابن اسحاق بعد قتل عمار بن ياسر، وقد أظهر الإمام علي الحسرة والألم على فراقه في إحدى خطبه، حيث قال رضى الله عنه، أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق، أين عمار وأين ابن التيهان، وأين ذو الشهادتين.
وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة، ثم ضرب رضى الله عنه بيده على لحيته الشريفة الكريمة، فأطال البكاء، ثم قال، أوه على إخواني الذين قرأوا القرآن فأحكموه، وتدّبروا الفرض فأقاموه، وأحيوا السنّة، وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه، ولما قتل خزيمة بن ثابت قالت ابنته ضبيعة ترثيه كما في كتاب نصر بن مزاحم، عين جودي على خزيمة بالدمع قتيل الأحزاب يوم الفرات، قتلوا ذا الشهادتين عتوا أدرك الله منهم بالترات، قتلوه في فتية غير عزل يسرعون الركوب في الدعوات، نصروا السيد الموفق ذا العدل ودانوا بذاك حتى الممات، لعن الله معشرا قتلوه ورماهم بالخزي والآفات.
وهكذا كان الصحابى خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيان بن عامر بن خطمة ابن جشم بن مالك بن الأوس، الأنصاري الأوسي، هو صاحب لقب ذو الشهادتين، وقد ولد سنة عشرين قبل الهجرة النبوية، وهو من أوائل الصحابة الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقد اتضح من خلال مواقفه المشرفة من يوم إسلامه إلى يوم شهادته أنه في أعلى مراتب الوثاقة والجلالة، وأنه من القلائل الذين عصمهم الله في الفتنة العظمى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بعد سنوات عديدة من حصول خزيمة علي لقب ذو الشهادتين، فقد عرف الصحابة قيمة ذلك الشرف النبوي الشريف الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، لخزيمة، وقد استشهد خزيمة بوقعة صفين وهو يقاتل مع الإمام علي بن أبي طالب سنة سبع وثلاثين من الهجرة، وكان حاملا رايةَ قومه.