المعجزة الخالدة ” جزء 2″

الدكروري يكتب عن المعجزة الخالدة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

المعجزة الخالدة ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع المعجزة الخالدة، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ركوبها نفرت وهاجت، فصاح جبريل قائلا “مه يا براق يحملك على هذا فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه” فاستحيا البراق وهدأت ثورته وسكن مكانه، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق فكان سيره غاية في السرعة والانسياب فلا اضطراب ولا قلقلة في سيره, مما أشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالراحة والاطمئنان, فكانه مستقر على فراش ساكن وسرير ناعم، وقد ذكر أنه كان من سرعته ما يثير العجب حتى أنه يضع حافره في كل خطوة عند منتهى البصر, وكان دائما مستوي السير فلا يعلو ولا يهبط حتى اذا قابلته عقبة مرتفعة, قصرت رجلاه الأماميتان وطالت الخلفيتان، واذا قابله واد منخفض طالت رجلاه الأماميتان وقصرت رجلتاه الخلفيتان.

وهكذا توفرت للرحلة معجزات ما بعدها معجزات، وأما عن جبريل عليه السلام فكان يسير بجناحيه الى جانب البراق مؤنسا ورفيقا للرسول صلى الله عليه وسلم, حيث كانت وجهتهما بيت المقدس حيث يوجد المسجد الأقصى الذي بارك الله عز وجل حوله، وإن بعد المحن تأتي المنح، وإنها أعظم رحلة في التاريخ، فانها ليست رحلة الي القمر ولا الي الشمس ولا المريخ ولا مجرة من المجرات انما هي رحلة الي رب الأرض والسماوات، ويقول تعالي في سورة الإسراء ” سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله” ولكن لماذا كانت الرحلة والمعجزة ليلا ؟ وهو أنه أراد الله عز وجل أن يلفت الأمة إلى قيمة الليل ومكانته حين يقسم بالليل في أكثر من موضع، والله لا يقسم إلا على عظيم، وعلى هذه الأمة التي رضيت بالله ربا.

وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالقرآن حكما ومنهاجا وشريعة ودستورا أن تعظم ما عظم الله تعالى فتدرك خير الليل وتستفيد من بركات الليل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره السهر بعد العشاء إلا لضرورة، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسانا بالنهار رهبانا بالليل إذا جنّ الليل سمعت لهم دويا كدوي النحل لذا على كل مسلم أن يدرك قيمة الليل ويعرض نفسه لرحمات الله خاصة عندما تنزل الحق تبارك وتعالى في الثلث الأخير من الليل ويقول ألا من سائل فأعطيه ألا من داعي فأجبه ألا من كذا ألا من كذا حتى يؤذن الفجر، وإن الليل له رجاله ويقول الله عز وجل فيهم كما جاء في سورة الذاريات ” كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون” ويقول تعالي كما جاء في سورة السجدة.

” تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون” ولقد فطن أعداء هذه الأمة لهذا فحاربوا الأمة في ليلها فأسهروها الليل فيما لا يفيد من القنوات الفضائية والمواقع التي تدعوا إلي هدم القيم والأخلاق والفيس بوك وغير ذلك وأناموها بالنهار، فضاعت البركة من الأمة في بكورها وضاع منها دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال “اللهم بارك الله لأمتي في بكورها” رواه أحمد وأبوداود والترمذي، ويقول أهل السير، إن الإسراء والمعراج كانا مكافأة ربانية على ما لاقاه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من أفراح وأحزان، فلقد كان بعد حصار دام ثلاث سنوات في شعب أبي طالب، وما لاقى أثناءه من جوع وحرمان، ولقد كان بعد فقد الناصر الحميم وهو عمه أبو طالب، وفقد زوجته السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها.

ولقد كانت بعد ما لاقاه في ثقيف وما ناله صلي الله عليه وسلم من سفهائها وصبيانها وعبيدها، فبعد هذه الآلام كافأ الحبيب حبيبه، فرفعه إليه، وقربه وأدناه، وخلع عليه من حلل الرضا ما أنساه كل ما لاقاه، وكل ما سيلاقيه، فيعتبر الإسراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رحلة الطائف وما عاناه أثناءها تعويضا عظيما، وجائزة قيمة على صبره، وتبدأ سورة الإسراء بكلمة “سبحان” وهي كلمة فيها التنزيه والتعظيم والإجلال لصاحب هذه المعجزة من ألفها إلى يائها وهو الله عز وجل، فكانت المعجزة كلها بقدر الله وبقدرة الله تعال ، ولكي تتعلم الأمة درس التسبيح والتعظيم والتمجيد لله عز وجل ومفاد ذلك هو أن تعيش الأمة مسبحة لله، وهو أن تعيش الأمة ذاكرة لله، وهو أن تعيش الأمة موصولة بذكرها وتسبيحها لله عز وجل، ولما لا تعيش الأمة مسبحة لربها والكون كله مسبح لله عز وجل.