الدكروري يكتب عن المعجزة الخالدة ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
المعجزة الخالدة ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع المعجزة الخالدة، فحينما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رحلة الإسراء والمعراج وقص على قريش ما حدث كذبوه فيما قال وعلى رأسهم المطعم بن عدي الذي قال أنا أشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا، أتدعي أنت أتيته في ليلة؟ واللات والعزى لا أصدقك، وانطلق نفر من قريش إلى أبي بكر رضي الله عنه يسألونه عن موقفه من الخبر، فقال لهم “لئن كان قال ذلك لقد صدق” فتعجبوا وقالوا أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ فقال نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، إني أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فأطلق عليه من يومها لقب الصديق، وإن من الدروس العظيمة المستفاده من هذه الرحلة العظيمة هو رؤية الحقائق الغيبية وأثرها في تثبيت القلب وزيادة الإيمان.
وقيل أن الإيمان بالغيب درجات ثلاثة، وهو علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، فلو عرفت أن هناك موت وبعث وجنة ونار، فهذا علم، ولكن لو رأيت ذلك بعينيك فهذا عين اليقين، وأما لو جربته وأكلت من الجنة مثلا فهذا حق اليقين، وكلما ارتقيت من درجة إلى أخرى يزداد يقينك وإيمانك بالله، فليس من رأي وجرّب كمن علم وسمع، ومثلا لو عرفت أن فاكهة العنب طرحت في السوق فهذا علم، فلو ذهبت إلى السوق ورأيت العنب ازداد يقينك وتأكدت، وانتقلت إلى الدرجة الثانية وهي درجة عين اليقين، فلو اشتريت قطفا وأكلته، وصلت إلى الدرجة الأخيرة وهي حق اليقين والدرجات الثلاثة وردت في القرآن الكريم فقال تعالى كما جاء في سورة التكاثر ” كلا لو تعلمون علم اليقين، لترون الجحيم، ثم لترونها عين اليقين” فهاتان درجتان، والثالثة في قوله تعالى كما جاء في سورة الواقعة.
“إن هذا لهز حق اليقين” والضمير عائد على الموت وخروج الروح، فهو حق أي أن الكل سيجربه حقا ويموت، فالله تعالي أكرم نبيه المصطفي صلي الله عليه وسلم في المعراج برؤية الغيبيات لهذه الحكمة، وقد ذكر ذلك في آيات الإسراء فقال تعالي كما جاء في سورة الإسراء ” سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام غلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” وفي آيات المعراج، قال الله تعالي ” لقد رأي من آيات ربه الكبري” وهذا الأمر ليس قاصرا على نبينا فقط، بل شمل أنبياء كثيرين قبله، فهذا نبي الله موسى عليه السلام قال الله له، كما جاء في سورة طه ” واضمم يدك إلي جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخري، لنريك من آياتنا الكبري، اذهب إلي فرعون إنه طغي” فأراه الله عز وجل الآيات.
أولا تثبيتا له ثم عقبها بالذهاب إلى فرعون، وهذا نبي الله الخليل إبراهيم عليه السلام قال الله فيه، كما جاء في سورة البقرة ” وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتي قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم” وقد جاء في تفسير ابن كثير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ” فصرهن إليك” أي بمعني أوثقهن، فلما أوثقهن ذبحهن، ثم جعل على كل جبل منهن جزءا، فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن، ثم قطعهن ونتف ريشهن، ومزقهن وخلط بعضهن في ببعض، ثم جزأهن أجزاء، وجعل على كل جبل منهن جزءا، قيل أربعة جبال، وقيل سبعة جبال، وقال ابن عباس “وأخذ رؤوسهن بيده، ثم أمره الله عز وجل، أن يدعوهن.
فدعاهن كما أمره الله عز وجل، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته، وأتينه يمشين سعيا ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم، عليه السلام، فإذا قدم له غير رأسه يأباه، فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جثته بحول الله وقوته ولهذا قال تعالي ” واعلم أن الله عزيز حكيم” أي بمعني عزيز لا يغلبه شيء، ولا يمتنع منه شيء، وما شاء كان بلا ممانع لأنه العظيم القاهر لكل شيء، فسبحانه وتعالي حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، وقال ابن عباس في قوله تعالى ” ولكن ليطمئن قلبي” ما في القرآن آية أرجى عندي منها” وكأن الله يقول لخليله إبراهيم عليه السلام نحن أكرم منك يا إبراهيم.