الدكروري يكتب عن الإسراء والمعراج وآيات الله الكبري ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الإسراء والمعراج وآيات الله الكبري ” جزء 1″
تظلنا في هذه الأيام الطيبة المباركة من شهر الله الحرام شهر رجب، ذكري الإسراء والمعراج، ولقد صلى النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم بالأنبياء إماما، وأن الله عز وجل جمعهم له هناك كلهم وذلك تشريفا له، ولما خرج جاءه جبريل عليه السلام بإناء من خمر الجنة لا يسكر وإناء من لبن فاختار النبي صلي الله عليه وسلم اللبن فقال له جبريل عليه السلام “اخترت الفطرة” أي تمسكت بالدين، وإن هناك وقفات مع هذه الرحلة العظيمة، رحلة الإسراء والمعراج، فالوقفة الأولى وهي في قوله تعالى “سبحان” فقد بدأت الآية بالتسبيح، والتسبيح هو تنزيه الله سبحانه وتعالى عن أي عجز أو نقص لا يليق بذاته العلية، أو صفاته أو أفعاله، فإذا تنزه الخالق عن قانون البشر، فلا غرابة إذا أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكلمة سبحان هي في اللغة.
هي اسم مصدر، ورغم أن التسبيح ورد في القرآن الكريم بصيغة الفعل الماضي مثل قوله تعالي ” سبح لله” وبصيغة الفعل المضارع مثل قوله “يسبح لله” وبصيغة فعل الأمر مثل قوله “فسبح باسم ربك العظيم” إلا أنه ورد في هذه الآية الكريمة بصيغة المصدر وهو “سبحان” لأن ميزة المصدر الثبات والاستمرار، فالله تعالى أهل للتسبيح سواء كان هناك من يسبحه من خلقه أو لم يكن لأن المصدر حدث مجرد لا يقترن بزمن، وأما عن الوقفة الثانية، وهي في قوله تعالى ” أسرى بعبده” والمراد “بعبده” بإجماع المفسرين هو رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم ولكن الله تعالى لم يقل “بمحمد” ولم يقل “برسوله” لأن الدين كله قائم على تصحيح عبودية الإنسان لله عز وجل على وجه هذه المعمورة، ولأن الإنسان مهما عظم فلا يعدو أن يكون عبدا لله، وهذا المقام مقام تشريف.
ومقام العبودية لله تعالى لا يعدله مقام، فوصف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه عبد لله، وهو تكريم له وإظهار لمكانته ورفع لذكره، ثم إن في هذا الوصف دليلا قاطعا على أن الإسراء كان بالروح والجسد معا، لأن كلمة العبد لا تطلق على الروح وحدها، ولا على الجسد وحده، إنما تطلق على الروح والجسد معا، وهذا ما قال به العلماء، إذ لو كان الإسراء بالروح فقط لما أنكر ذلك أحد من قريش، والنائم تسري روحه إلى آفاق بعيدة في هذا الكون الواسع ولا ينكر عليه أحد، وأما عن الوقفة الثالثة، وهي في قوله تعالى “ليلا” مع أن الإسراء لا يكون إلا ليلا، وذلك ليبين لنا أن هذه الرحلة تمت في جزء من الليل ذهابا وإيابا، ولو قال سبحانه وتعالي “أسرى بعبده في الليل” لربما توهم متوهم أن الرحلة استغرقت الليل كله، وقد قال علماء النحو على أن “أل” التعريف.
إذا دخلت على كلمة “ليل” استغرقته، فإذا قلت “سهرت الليل” فهذا يعني أنك سهرت الليل كله، وإذا قلت “سهرت ليلا” فهذا يعني أنك سهرت جزءا من الليل، وقد قال الله تعالى عن الملائكة كما جاء في سورة الأنبياء “يسبحون الليل والنهار لا يفترون” أي أنهم يسبحون كل الليل وكل النهار، ولو قال تعالي “يسبحون ليلا ونهارا” لكان المعنى أنهم يسبحون جزءا من الليل وجزءا من النهار، كما أن الإسراء كان ليلا لا نهارا، لأن الليل هو وقت تنام فيه العيون، ويهدأ فيه الضجيج، ويخشع فيه الكون كله، فتطيب المناجاة، ويحلو الدنو والقرب والوصال، كما أن الإسراء حدث ليلا لتظل المعجزة غيبا يؤمن بها من يؤمن بالغيب، ولو حدثت في النهار لرآه الناس أثناء ذهابه أو عودته، فتصبح المسألة عندئذ حسية مشاهدة لا مجال فيها للإيمان بالغيب، وأما عن الوقفة الرابعة.
وهي في قوله تعالى “من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي” فهذه الرحلة كانت بين مسجدين من المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وفي قوله تعالى ” من المسجد الحرام” مع أن بعض الروايات تذكر أن الإسراء كان من بيت السيدة أم هانئ وهو خارج المسجد للدلالة على أن مكة كلها مسجد، فما دخل في المسجد الحرام من توسعة حكمه حكم المسجد الحرام، وسُمّي المسجد الحرام بهذا الاسم لحُرمته أي لشرفه على سائر المساجد، لأنه خُص بأحكام ليست لغيره، وسُمّي المسجد الأقصى بهذا الاسم لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، مع أنه لم يكن في ذلك الوقت مسجد تقام فيه الصلاة في بيت المقدس للدلالة على أن هذا المسجد سيُبنى وستقام فيه الصلاة، ومن المعلوم أن المسجد الأقصى وُضع بعد الكعبة بأربعين عاما.