الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 6″ 

الدكرورى يكتب عن الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 6″ 

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 6″

ونكمل الجزء السادس مع الملكة بلقيس بنت شراحيل، وكما أنها لم تنفي أن يكون هو عرشها بالفعل، ثقة منها فى قدرة نبي الله سليمان الخارقة المستمدة من قدرة الإله الخالق العظيم على النيل منه، وثقتها فى أن ما عرضه أمامها يشبهه حقا رغم التغيير والتنكير الذى ألحقه به سليمان بقصد التمويه لاختبار فطنتها، ولقد أبلت الملكة الحكيمة بلقيس بلاء حسنا وأظهرت فيض رشادة وحسن تدبير، حينما لم تتردد فى إعلان الإيمان بالله ونبيه، بل والاعتراف بالخطأ وبطلان ما كانت عليه فيما مضى من فساد العقيدة، خصوصا بعدما أيقنت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بشركهم وعبادتهم لغير الله، حتى أنها بدأت صفحة جديدة مع الله عز وجل بطلب عفوه عن ذلك الضلال البعيد، ويحسب لبلقيس أنها لم تسلم لله تعالي على تخوف من سليمان وجبروته.

وإنما قناعة منها بدعوة الحق حيث جاء فى الذكر الحكيم ” قالت ربى إنى ظلمت نفسى وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين” فلم تقل إنها أسلمت لسليمان وإنما معه، والمعية هنا تفيد الاقتناع وتقدير الخالق العظيم حق قدره دون الافتتان بما تراءى لها من مكانة سليمان وعظمة ملكه وفخامة عرشه أو حتى الخشية من جدية وصدقية وعيده، فبفضل نفاذ بصيرتها وحسن بلائها، نأت بلقيس، بنفسها ورعيتها عن تداعيات مراوغة المرأة ومكابرة الملوك، حيث جنحت بفراستها وفطنتها، لالتماس النجاة الحقيقية لها ولمملكتها عبر الاهتداء بضياء الحق المبين، بدلا من الهلاك المحقق فى ظلمات الكفر والضلال إثر مواجهة خاسرة وغير متكافئة مع قوة الحق الضاربة، ومثلما غدت سير أكمل نساء الأرض.

كخديجة بنت خويلد أولى أزواج خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلي الله عليه وسلم والسيدة مريم العذراء البتول، وآسيا امرأة فرعون، مضربا للأمثال الإلهية ونموذجا يحتذى لكل نساء العالمين، فقد جسد ذكر المولى، جلا وعلا، لقصة ملكة سبأ، فى كتبه السماوية بكل ما تنطوى عليه من رسائل ودروس وعبر، دليلا ساطعا على إعلائه سبحانه وتعالى من شأن المرأة المؤمنة الرشيدة، فى كل زمان ومكان، لتبقى نبراسا مضيئا وقبسا ملهما لبنى البشر قاطبة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهكذا تنسب الملكة بلقيس إلى الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر، فكانت بلقيس سليلة حسب و نسب، فأبوها كان ملكا، و قد ورثت الملك بولاية منه لأنه على ما يبدو لم يرزق بأبناء بنين، لكن أشراف.

وعلية قومها استنكروا توليها العرش وقابلوا هذا الأمر بالازدراء والاستياء، فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة، أليس منهم رجل رشيد؟ وكان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها، فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة سبأ، ومنهم الملك “عمرو بن أبرهة” الملقب بذي الأذعار، فحشر ذو الأذعار جنده وتوجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها وعلى ملكتها بلقيس، إلا أن بلقيس علمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها، واستخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار، و عادت بلقيس بعد أن عم الفساد أرجاء مملكتها فقررت التخلص من ذي الأذعار، فدخلت عليه ذات يوم في قصره وظلت تسقيه الخمر وهو ظان أنها تسامره.

وعندما بلغ الخمر منه مبلغه، استلت سكينا وذبحته بها، وتقول المراجع التاريخية أن نبي الله سليمان عليه السلام، تزوج من الملكة بلقيس، وأنه كان يزورها في سبأ بين الحين والآخر، وأقامت معه سبع سنين وأشهرا، وتوفيت فدفنها في تدمر، وتعلل المراجع سبب وفاة بلقيس أنها بسبب وفاة ابنها “رحبعام بن سليمان” وقد ظهر تابوت بلقيس في عصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وعليه كتابات تشير إلى أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من حكم سليمان، وفتح التابوت فإذا هي غضّة لم يتغير جسمها، فرفع الأمر إلى الخليفة فأمر بترك التابوت مكانه وبنى عليه الصخر، إلا أن هناك روايات أخرى تشير إلى أن بلقيس أنها أرسلت إلى ذي الأذعار وطلبت منه أن يتزوجها بغية الانتقام منه، وعندما دخلت عليه فعلت فعلتها التي في الرواية الأولى.