الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 7″ 

الدكرورى يكتب عن الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 7″ 

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 7″

ونكمل الجزء السابع مع الملكة بلقيس بنت شراحيل، وهذه الحادثة هي دليل جليّ وواضح على رباطة جأشها وقوة نفسها، وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور، وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده، وازدهر زمن حكم بلقيس مملكة سبأ أيما ازدهار، واستقرت البلاد أيما استقرار، وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية، كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة، ومما أذاع صيتها وحببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي كان قد نال منه الزمن وأهرم بنيانه وأضعف أوصاله، وإن بلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقرا لحكمها، وكانت بلقيس حينها جالسة على سرير مملكتها المزخرف بأنواع من الجواهر واللآلئ والذهب مما يسلب الألباب ويذهب بالمنطق والأسباب.

ولما عُرف عن بلقيس من رجاحة وركازة العقل فإنها جمعت وزراءها وعلية قومها، وشاورتهم في أمر هذا الكتاب، في ذلك الوقت كانت مملكة سبأ تشهد من القوة ما يجعل الممالك الأخرى تخشاها، و تحسب لها ألف حساب، فكان رأي وزرائها “نحن أولوا قوة و أولوا بأس شديد” في إشارة منهم إلى اللجوء للحرب والقوة، إلا أن بلقيس صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأيا مخالفا لرأيهم، فهي تعلم بخبرتها وتجاربها في الحياة أن “الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون” وبصرت بما لم يبصروا ورأت أن ترسل إلى نبي الله سليمان بهدية مع علية قومها وقلائهم، عله يلين أو يغير رأيه، منتظرة بما يرجع المرسلون، ولكن نبي الله سليمان عليه السلام، رد عليهم برد قوي منكر صنيعهم.

ومتوعد إياهم بالوعيد الشديد قائلا “أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتكم، بل أنتم بهديتكم تفرحون” وعندها أيقنت بلقيس بقوة نبي الله سليمان وعظمة سلطانه، وأنه لا ريب نبي من عند الله عز وجل، فجمعت حرسها وجنودها واتجهت إلى الشام حيث يوجد نبي الله سليمان عليه السلام، وكان عرش بلقيس وهي في طريقها إلى سليمان عليه السلام مستقرا عنده، فقد أمر جنوده بأن يجلبوا له عرشها، فأتاه به رجل عنده علم الكتاب قبل أن يرتد إليه طرفه، ومن ثم غّير لها معالم عرشها، ليعلم أهي بالذكاء والفطنة بما يليق بمقامها و ملكها، ومشيت بلقيس على الصرح الممرد من قوارير والذي كان ممتدا على عرشها، إلا أنها حسبته لجة فكشفت عن ساقيها وكانت مخطئة بذلك عندها عرفت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم.

بعبادتهم لغير الله تعالى وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين، وإن الملكة بلقيس ما كان لها هذا الشأن العظيم لولا اتصافها برجاحة العقل وسعة الحكمة وغزارة الفهم، فحسن التفكير وحزم التدبير أسعفاها في كثير من المواقف الصعيبة والمحن الشديدة التي تعرضت لها هي ومملكتها ومنها قصتها مع الملك ذي الأذعار الذي كان يضمر الشر لها ولمملكتها، ولكن دهاءها وحنكتها خلصاها من براثن ذي الأذعار وخلص قومها من فساده و طغيانه و جبروته، كما أنها عرفت بحسن المشاورة إلى جانب البراعة في المناورة، فهي لم تكن كبقية الملوك متسلطة في أحكامها، متزمتة لآرائها، لا تقبل النقاش أو المجادلة، بل كانت كما أجرى الله على لسانها “قالت أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون”

وذلك على الرغم من أنه كان بمقدورها أن تكتفي برأيها وهي الملكة العظيمة صاحبة الملك المهيب، فهي ببصيرتها النيّرة كانت ترى أبعد من مصلحة الفرد، فهّمها كان فيما يحقق مصلحة الجماعة، ولقد كانت الملكة بلقيس فطينة رزينة، وكانت فطنتها نابعة من أساس كونها امرأة، فالمرأة خلقها الله عز وجل وجعلها تتمتع بحاسة تمكنها من التبصر في نتائج الأمور وعواقبها، والشاهد على ذلك أنه كان لبلقيس كعادة الملوك عدد كبير من الجواري اللاتي يقمن على خدمتها، فإذا بلغن استدعتهن فرادى، فتحدث كل واحدة عن الرجال فإن رأت أن لونها قد تغير فطنت إلى أن جاريتها راغبة في الزواج، فتزوجها بلقيس رجلا من أشراف قومها وتكرم مثواها، أما إذا لم تضطرب جاريتها ولم تتغير تعابير وجهها.