الدكرورى يكتب عن الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 9″
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع الملكة بلقيس بنت شراحيل، وهنا اختارت الملكة بلقيس البدء بالمفاوضات وبالسياسة والدبلوماسية، وقررت ما حكاه القرآن الكريم عنها حيث جاء ” قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أزلة وكذلك يفعلون، وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون” وهنا يقول شيخ الإسلام ابن كثير، في قوله “إن نبي الله سليمان عليه السلام لم ينظر ما جاءوا به بالكلية، ولا اعتنى به، بل أعرض عنه، وقال منكرا عليهم ” أتمدونني بمال” أي أتصانعونني بمال لأترككم في شرككم وملككم؟ فما آتاني الله من الملك والمال والجنود خير مما أنتم فيه، وقيل أنه رد نبي الله سليمان الهدية مع حاملها، وأرسل ينذر الملكة بلقيس وقومها بالإقلاع عن عبادة غير الله.
وإلا فإنه سوف يأتيهم بحشود وجنود لا قبل لهم بها، ولا قدرة على مقاومتها، ولسوف يبطش بهم بطشة كبرى، أو يأتون مسلمين معلنين التوحيد، وأن بلقيس آثرت السلامة لبلدها وشعبها، وبادرت بالقدوم إلى مملكة نبي الله سليمان عليه السلام في بيت المقدس معلنة ولاءها، وقيل أنه تزوج نبي الله سليمان عليه السلام من بلقيس وأعادها إلى سبأ، وكان يأتيها بين الحين والآخر، وكما قيل أن نبي الله سليمان عليه السلام تزوجها وردها إلى ملكها باليمن، وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة، فولدت له غلاما سماه داود مات في زمانه، وقيل أنه تزوجت الملكة بلقيس من نبي الله سليمان عليه السلام بعد أن آمنت بالحق الذي يدعو إليه، وعاشت قصتها عبر مسيرة الزمان كملكة حكيمة كان سداد رأيها سبيلا لهدايتها وهداية قومها.
وتكشف الآيات الكريمة التي تحدثت عن قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع بلقيس عن صفات سياسية وأخلاقية حميدة لملكة سبأ، منها، أنه تتمتع الملكة بلقيس بأدب عالي وأخلاق سامية جعلتها تصف كتاب نبي الله سليمان عليه السلام بأنه كتاب كريم، على الرغم مما تضمنه من حزم وحسم شديدين، وطلب حضور بإذعان تام ودون استعلاء، وكذلك تطبق الملكة بلقيس بعزم وإصرار نظام الشوري في كل أمور الحكم، وتأبى أن تنفرد برأيها، وتحرص على سماع آراء مساعديها بحرية كاملة، وتشجعهم على تزويدها بخبراتهم وتقديراتهم للأمور، ثم تختار ما تراه مناسبا لمصلحة المملكة، وكما تتمتع الملكة بلقيس بفكر رشيد، وآراء صائبة، وحكمة في مواجهة المستجدات، وقد سجل القرآن الكريم قوله
” إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة” ولم يكتف القرآن الكريم بذلك، بل أكد القرآن الكريم هذا الرأي، فقال تعالى ” وكذلك يفعلون” ولقد تميزت إجابتها عن سؤالها عن عرشها بالذكاء والحيطة، فقد أتى به أحد أعوان نبي الله سليمان عليه السلام في طرفة عين، وجرى تنكيره لاختبارها، بسؤالها ” أهكذا عرشك” فجاءت إجابتها ” كأنه هو” وأنه لم يكن أمامها في تلك اللحظة أن تجيب بغير هاتين الكلمتين “كأنه هو” كانت ستجد نفسها أمام تساؤل مهم إذا أقرت أنه عرشها، وهو كيف سبقها منتقلا من مملكتها سبأ إلى مملكة سليمان؟ فإذا نفت صراحة أنه عرشها فستجد نفسها أمام تساؤل آخر، وهو كيف استطاع أعوان نبي الله سليمان عليه السلام تقليد عرشها بهذه الجودة والدقة؟
وكانت بلقيس تتأمل العرش وهي تقول “كأنه هو” وجاءت كلمات نبي الله سليمان واضحة جلية تقطع الشك باليقين، وتجزم بأنها أمام حقيقة لم تكن تتجسد إلا لنبي، وذلك فيما حكاه القرآن الكريم على لسان سليمان عليه السلام “وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين” وإن ما شهدته وعايشته الملكة بلقيس فور دخولها مملكة نبي الله سليمان عليه السلام، جعلها تصارح نفسها وقومها وشعبها بأعظم حقيقة، وهي تردد شهادتها التي خلدها القرآن الكريم حتى تقوم الساعة ” قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين” وهكذا فإن من يتأمل حياة الملكة بلقيس يجد أمامه دروس عظيمة متجددة في مختلف مجالات الحياة ولكن ذلك لمن أراد إعلاء راية الحق، والانتصار للحقيقة.