الدكرورى يكتب عن أم البشر حواء ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
أم البشر حواء ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع أم البشر حواء، ولما أراد إبليس أن يستزلهما، دخل في جوف الحية، وكانت لها أربع قوائم كأنها بختية من أحسن دابة خلقها الله، فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال انظري إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها، فأخذتها حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وما أحسن لونها، فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه يا آدم أين أنت؟ قال أنا هذا يا رب، قال ألا تخرج؟ قال أستحي منك يا رب، قال ملعونة الأرض التي منها خلقت، لعنة تتحول ثمارها شوكا، قال ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح والسدر.
ثم قال يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت، وقال للحية أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك فلا يكون لك رزق إلا التراب، وأنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك حيثما لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك، إذن فقد أكلا من الشجرة، فيقول تعالي ” فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة” أي بدت عوراتهما، فجعلا يشدان عليهما من ورق الجنة ليواريا سوءاتهما، وفي هذا دلالة على أن العُريّ خلاف الفطرة، وأنه مستهجن في الطباع، وفيه وجوب ستر العورة، وقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة ”
ثم عاتب الله عز وجل آدم وحواء، فقال تعالي ” وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكم إن الشيطان لكما عدو مبين” فندما وتابا وقالا، كما قال الله عز وجل ” قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين” فأمرهما الله بالهبوط إلى الأرض وأخرجا من الجنة، إذ لم تكن لهما دار إقامة بل سكنى، ألم يقل الحق عز وجل ” واسكن أنت وزوجك الجنة” فالسكنى تكون إلى مدة فتنقطع، فبحكمته سبحانه وقدرته أراد أن يمتحن ذريتهما فجعل الأرض دار ابتلاء، وقد نبه الله آدم وحواء وذريتهما على استمرار عداوة الشيطان لهم في الأرض، وإن الموت هو نهاية المطاف لجميع الخلق وهذه هي سنة الله في خلقه، فهو مقدر في اللوح المحفوظ منذ خلق الإنسان، فإذا جاءت ساعة الإنسان جاءته المنية ولو كان في بروج مُشيدة.
فقال تعالى في سورة النساء ” أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة” فحينما يأتي الأجل “لا يستأخرون سعة ولا يستقدمون” فالموت هو الانتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة البرزخية، وهي حياة ما بين الموت ونفخة البوق، فعندما انتهى أجل آدم وانتهت مهمته التي خُلق من أجلها، وبعد أن سلم الراية إلى ولده من بعده وبعدما تناسلت ذريته وتكاثرت، وأنزلت إليهم الصحف، جاء أجل آدم لينتقل إلى حياة أخرى، فقد انتهت حياة آدم عليه السلام، ولقد ذكر علماء السير والتاريخ أن وفاة أبو البشر آدم عليه السلام كانت في يوم الجمعة لست خلون من نسيان في الساعة التي خلقه الله فيها، ويؤكد ذلك ما جاء في الحديث الصحيح أن موت آدم عليه السلام كان يوم الجمعة
فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعه، فيه خلق آدم الذي هو أول البشر، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة” رواه مسلم، وذكر العلماء أن آدم عليه السلام قبيل موته مرض مرضا شديدا أقعده أحد عشر يوما، وفي هذه الأثناء استطاع آدم عليه السلام أن يوصي شيث عليه السلام، وعلمه كل شيء وأوصاه أن يُخفي علمه عن قابيل وولده حتى لا يقتل كما قتل أخوه من قبل حسدا منه حين خصه الله بتزويج هابيل من إقليمها أخت قابيل، فعمل شيث بوصية الوالد وأخفى علمه عن قابيل ولده، ولقد ذكر علماء التاريخ والسير أن السيدة حواء عاشت بعد آدم عليه السلام سنة واحدة فقط ثم ماتت ودفنت مع زوجها في نفس المكان، وأيضا فإنه لم يرد نص ثابت يخص جمال أم البشر حواء.