الدكرورى يكتب عن أم البشر حواء ” جزء 6″
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
أم البشر حواء ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع أم البشر حواء، وهذه المحبة التي طوقتها بالحنان والعطف والجود غداة السقوط فصنعت لها ولزوجها أقمصة من جلد وألبستهما لتغطي عريهما، ولقد أدركت حواء بعد سقوطها أنها خدعت فتقول “الحية غرتني” ومن ثم كانت شديدة اللهفة والشوق إلى مجيء الولد المخلص، فظننته قايين يوم قالت “اقتنيت رجلا من عند الرب” ولما أنجبت هابيل دعته البطل، ولعلك تدرك أن هذه التسمية لا تمليها إلا نفس شديدة الحساسية بالندم والحزن والتوبة والإدراك بأن “كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد” وقيل “الرب رحيم ورؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر، لم يصنع معنا حسب خطايانا.
ولم يجازنا حسب آثامنا، لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفية، كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا، كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن الإنسان مثل العشب أيامه، كزهر الحقل كذلك يزهر لأن ريحا تعبر عليه فلا يكون، ولا يعرف موضعه بعد، أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه وعدله على بني البنين، لحافظي عهده وذكرى وصاياه ليعملوها” وقد قال الله تعالى في سورة الروم ” ومن آياته أن خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين” وقال الشوكاني عند تفسير هذه الآية، واختلاف ألوانكم من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة، مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحد، ويجمعكم نوع واحد.
وهو الإنسانية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم، لا يلتبس هذا بهذا، بل كل فرد متميز عن غيره، وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعلمه إلا العالمون، وقال الله تعالى مبينا بعض آيات قدرته، في اختلاف ألوان الناس والجبال والحيونات والنباتات كما جاء في سورة فاطر” ألم تري أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشي الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور” فنجد هنا ان الله عز وجل قد نبه لهذا وتطرق له لانه يعلم، بان الشك سيراود عقول خلقه فلذلك نبهنا باياته الكريمه، التي اعدها قبل ان يخلقنا سبحانه وتعالي، ليثبت لنا انه على كل شيئ قدير، وانه خلق الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، وهو الماء الذي ينزل من السماء.
فيخرج به ثمرات مختلفا ألوانها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض، إلى غير ذلك من ألوان الثمار، كما هو مشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها، وخلق الجبال مختلفة الألوان كما هو المشاهد، من بيض وحمر وسود، وفي بعضها طرائق مختلفة الألوان، وخلق الحيوانات مختلفة الألوان حتى في الجنس الواحد، بل الحيوان الواحد يكون أبلق فيه من هذا اللون وهذا اللون، وخلق الناس كذلك، فمنهم أحباش في غاية السواد، ومنهم صقالبة وروم في غاية البياض، ومنهم العرب بين ذلك، ومنهم الهنود دون ذلك، وإن السبب في اختلاف ألوان الناس ما بينه الحديث القدسي ” من أن آدم خلق من قبضة قبضها الله تعالي من جميع الأرض فاختلفت ألوان بني آدم بسبب اختلاف ألوان الأرض، ويقول النبي الكريم صلي الله عليه وسلم فيما رواه عن خلق أبونا آدم.
قال “إن الله قبض قبضة من الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها وما بين ذلك فجاءت ذرية آدم على قدر ذلك” رواه ابن حبان، ففي الحديث أن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض، والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك، ومن المعروف ان الانسان ينقل صفاته الوراثية الى أبنائه وأحفاده, والصفات تلك تؤخذ عن الأب والأم معا وذلك عبر حدوث نوع من اختلاط نطفتيهما, واحتمالات حصول الاختلاف عن الأبوين الأصليين كثيرة جدا طبقا لاختلاف الكروموسومات فيهما، وبما أن ابو البشر ادم وام البشر حواء يحملان هذه الصفات الوراثيه مما تكونت به اجسادهما عليهما السلام، وبما ان آدم عليه السلام من الطين الذي خلق منه.
فاذن لابد ان يكون اختلاف البشريه بجميع الالوان فنجد الاسود والاسمر والاحمر والاصفر، والحنطي والقمحي وشديد البياض، وقيل أن أبو البشر آدم عليه السلام خلق من طينة الطبقه الرابعة من الارض، التي تسمى بالادمه لذلك سماه الله جل في علاه بادم، وقد سمي آدم بهذا الاسم لأنه من أديم الأرض، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه، فخلق منها آدم”