الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “جزء 7”
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “جزء 7”
ونكمل الجزء السابع مع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وقد اهتم سليمان أيضا بالتشييد في ولايته عموما وبيت المقدس خصوصا، وقد أمر سليمان ببناء حمام بالقرب من المسجد الأقصى، وقد استخدم المصلون في قبة الصخرة هذا الحمام في الوضوء أيضا، وينسب سليمان بناء الأقواس والمطاحن والحدائق في أريحا، والتي دُمرت بسبب الفيضانات فيما بعد، وكما طور منطقة زراعية بالقرب من القطيفة في ضواحي دمشق سميت السليمانية من بعده، وكان توليه الخلافه في عام خمسة وتسعين من الهجره، وقد حاول الوليد بعد نصيحة من الحجاج بن يوسف الثقفي إلى أخذ البيعة لابنه عبد العزيز خلفا له، وإلغاء البيعة التي أخذها أبوه عبد الملك لسليمان من بعده، ووفقا للمؤرخ عمر بن شبة أن الوليد عرض على سليمان أموال طائلة للموافقة على ذلك.
ولكن سليمان بن الملك رفض ذلك فبعث الوليد إلى ولاته وعُماله يأمرهم بأخذ البيعة لابنه عبد العزيز، ولكنه لم يتلق ردود سوى من الحجاج بن يوسف الثقفى، والي العراق وقتيبة بن مسلم والي خراسان وما وراء النهر، ولكن توفي الحجاج في ذات السنة، بينما اعترض عمر بن عبد العزيز على ذلك وقال لسليمان في أعناقنا بيعة، فأخذه الوليد فحبسه وضربه، وقيل خنقه بمنديل حتى صاحت زوجة عمر فاطمة بنت عبد الملك، فشكر سليمان لعمر ذلك الموقف، ونصح عباد بن زياد بن أبيه الوليد بالضغط على سليمان بالقوة، واستدعائه إلى دمشق، فأبطأ سليمان بالقدوم، فاعتزم الوليد المسير إليه على أن يخلعه من ولاية العهد، وأمر الناس بالتأهب، لكنه مرض، وتوفي الوليد بعد فترة وجيزة.
وكان ذلك في يوم السبت الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة فى عام سته وتسعين من الهجره، وقد وصل سليمان نبأ وفاة أخيه، وبذلك تولى الخلافة، وقد وصل سليمان نبأ وفاة أخيه بعد سبعة أيام، وكان بالرملة، فسار إلى دمشق، فأخذ البيعة من أهلها، ولما قدم دمشق صعد المنبر، فخطب خطبة طويلة، فقال أيها الناس، أين الوليد وأبو الوليد وجد الوليد وخلفاء الله، وأمراء المؤمنين، وساسة الرعية؟ وأسمعهم الداعي، وقبض العارية معيرها، فاضمحل ما كان كأن لم يكن، وأتى ما كأنه لم يزل، وبلغوا الأمد، وانقضت بهم المدة، ورفضتهم الأيام وشمرتهم الحادثات فسلبوا عن السلطنة، ونفضوا لدة الملك، وذهب عنهم طيب الحياة، فارقوا والله القصور وسكنوا القبور، واستبدلوا بلينة الوطاء خشونة الثرى.
فهم رهائن التراب إلى يوم الحساب، فرحم الله عبدا مهد لنفسه، واجتهد لدينه، وأخذ بحظه، وعمل في حياته، وسعى لصلاحه، وعمل ليوم، كما قال الله عز وجل ” يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه” فعلى رسلكم بني الوليد، فإني شبل عبد الملك، وناب مروان، لا تظلعني حمل النائبة، ولا يفزعني صريف الأجرف، وقد وليت من أمركم ما كنت له مكفيا، وأصبحت خليفة وأميرا، وما هو إلا العدل أو النار، ليجدني الممارس لي أخشن من مضرس الكذاب، فمن سلك المحجة حذي نعل السلامة، ومن عدل عن الطريق وقع في وادي الهلكة والضلالة، ألا فإن الله سائل كلا عن كل، فمن صحت نيته ولزم طاعته كان الله له بصراط التوفيق، وبرصد المعونة.
وكتب له بسيل الشكر والمكافأة، فاقبلوا العافية فقد رزقتموها، والزموا السلامة فقد وجدتموها، فمن سلمنا منه سلم منا، ومن تاركنا تاركناه، ومن نازعنا نازعناه، فارغبوا إلى الله في صلاح نياتكم وقبول أعمالكم، وطاعة سلطانكم، فإني والله غير مبطل حدا، ولا تارك له حقا حتى أنكثها عثمانية عمرية، وقد عزلت كل أمير كرهته رعيته، ووليت أهل كل بلد من أجمع عليه خيارهم، واتفقت عليه كلمتهم، وقد جعلت الغزو أربعة أشهر، وفرضت لذرية الغازين سهم المقيمين، وأمرت بقسمة صدقة كل مصر في أهله إلا سهم العامل عليها، وفي سبيل الله وابن السبيل، فإن ذلك لي وأنا أولى بالنظر فيه، فرحم الله امرءا عرف منا سهو المفعل عن مفروض حق وأوجب فأعان برأي، وأنا أسأل الله العون على صلاحكم فإنه مجيب السائلين، جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بموعظته، ويوفي بعهده، فإنه سميع الدعاء، واستغفر الله لي ولكم.