الجزء الرابع مع إبن السوداء عبد الله بن سبأ

الدكرورى يكتب عن إبن السوداء عبد الله بن سبأ ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع إبن السوداء عبد الله بن سبأ، وإن المقصود بمدينة سبأ التي ينتسب إليها عبد الله بن سبأ هو اليمن، فكل يماني يصح أن يقال عنه أنه ابن سبأ، كما يقال للمصري ابن النيل، وهكذا، وتتوثق نسبة أهل اليمن إلى سبأ، بخبر يورده يعقوب بن شيبة فقال عنه كان من سبأ من أهل اليمن، وقد حكى القران الكريم في سورة النمل ما قصة الهدهد على نبى الله سليمان عليه السلام، بقوله ” فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم” وفي القران الكريم سورة تسمى سورة سبأ، وقد حدثنا القران الكريم عما كانوا فيه من رزق رغيد ونعيم مقيم، وخزنوا الماء بكميات كافية وراء السد الذي عرف بسد مأرب.

فلما أعرضوا عن شكر المنعم، وعن العمل الصالح، والتصرف الحميد، سلبهم الله تعالى سبب هذا الرخاء الذي كانوا يعيشون فيه، وأرسل عليهم السيل الجارف حاملا في طريقه العرم وهي الحجارة، فتحطم السد وانساحت المياه فطغت وأغرقت الأرض، وتبدلت جناتها الفيح إلى صحراء قاحلة، حيث تتناثر فيها الأشجار البرية الخشنة، فقال الله سبحانه وتعالى ” وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلى الكفور” وقيل أنه من الجائز أن يكون ابن سبا قد أخفى اسم والده اليهودي، لئلا يعرف الناس حقيقته، أما ما ذهب إليه البغدادي من أن ابن سبأ كان من أهل الحيرة، حيث قال وكان ابن السوداء أي ابن سبأ في الأصل يهوديا من أهل الحيرة.

وهناك اتفاق بأنه يماني الأصل، إذ يجوز أنه هاجر إلى الحيرة قي العراق، علما بأن الحيرة كانت مركزا لجميع اليهود وأبناء الديانات والمذاهب الأخرى، ومن المؤكد أن المسلمين لما خططوا الكوفة، لم ينتقل إليها بادئ الأمر أحد من اليهود، بل ظلوا في الحيرة، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي قد وقف على المنبر في الكوفة وكان ذلك عام سبعة وسبعين للهجرة، وقال يا أهل الكوفة، لا أعز الله من أراد بكم العز، ولا نصر من أراد بكم النصر، اخرجوا عنا، لا تشهدوا معنا قتال عدونا، انزلوا بالحيرة مع اليهود والنصارى، وبعد أن جاء ابن سبأ إلى المدينة، واحتك بالحياة الدينية والاجتماعية السائدة هناك، فقد اتخذ منها موقفا محددا يتسم ببغض الخليفة وذويه، وذلك لما بدر منه في زعمه من استئثار أقاربه بالمال والسلطة

فأخذ يبث أنصاره هنا وهناك، ليكشفوا للمسلمين زورا و بهتانا، مساوئ عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولتحريضهم على الثورة، وقال المؤرخ الفارسي مير خواند، إن السبب في حقد ابن سبأ على الخليفة عثمان بن عفان هو أنه كان يأمل حين قدومه إلى المدينة إكرام الخليفة له، فلما لم يحصل له ما أراد، أخذ يتصل بالناقمين عليه، وينكر على عثمان إدارته علنا، و بلغ عثمان خبره أخيرا فقال من هذا اليهودي الذي أتحمل منه هذا، وأمر بنفيه من المدينة، ثم ذهب أخيرا إلى مصر، وصار من المشاغبين العاملين ضد عثمان بن عفان، وقد حاول نفر من الكتاب المعاصرين نفي وجود ابن سبأ، و ذهبوا في أمره مذاهب شتى، فمنهم من أنكر وجوده، ومنهم من قال لو سلمنا بوجوده جدلا.

فإننا ننكر أن يكون له كل ذلك التأثير في الفتن التي حصلت في مقتبل عمر الدولة الإسلامية، وعن سويد بن غفلة الجعفي الكوفي أنه دخل على الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه، في إمارته، فقال إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بسوء، ويروون أنك تضمر لهما مثل ذلك، منهم عبد الله بن سبأ، فقال الإمام علي، مالي ولهذا الخبيث الأسود، ثم قال معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيره إلى المدائن، ونهض إلى المنبر، حتى اجتمع الناس أثنى عليهما خيرا، ثم قال إذا بلغني عن أحد أنه يفضلني عليهما جلدته حد المفتري، وقال ابن حجر العسقلاني، وأبو مخنف هذا لم يشر في أحداث فتنة عثمان بن عفان إلى السبئية.