الدكرورى يكتب عن والي مصر عبد الله بن عبد الملك ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
والي مصر عبد الله بن عبد الملك ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع والي مصر عبد الله بن عبد الملك، وعن عبد الحميد بن حميد الكاتب مولى خزاعة، عن أبيه قال ” كان موسى بن نصير يكاتب عبد العزيز بن مروان، فلما هلك عبد العزيز، ولى عبد الملك عبد الله بن عبد الملك، فلم يكاتبه موسى بن نصير، وكاتب عبد الملك، فكتب إليه عبد الله بن عبد الملك أما بعد، فإنك كنت من عبد العزيز وبشر بين مهادين، وهو يقصد بشر بن مروان بن الحكم الأموي، وهو ثالث أبناء الخليفة مروان بن الحكم، وهو بعد عبد الملك، وعبد العزيز، وكان بشر بن مروان قد اهتم بالشعراء، ومدحوه لكرمه، ومنهم الأخطل، والفرزدق، وجرير، وكثير عزة، وغيرهم، وقد ولاه أخوه عبد الملك بن مروان حين كان خليفة الكوفة سنة واحد وسبعين من الهجره، وضم إليها البصرة سنة ثلاثه وسبعين من الهجره، ثم عزله بعد سنتين، وولى الحجاج بن يوسف الثقفي مكانه.
فكتب إلي موسى بن نصير، عبد الله بن عبد الملك يقول له أما بعد، فإنك كنت من عبد العزيز وبشر بين مهادين، تعلو عن الحضيض مهودهما، ويدفئك دثارهما، حتى عفا مخبرك، وسمت بك نفسي، فلا تحسبني كمن كنت تخلبه وأعداء بيته، وتقول اكفياني أكفكما، ولا كأصبغ كنت تمينه بكهانتك، وأيم الله لأضعن منك ما رفعا، ولأقلن منك ما كثرا، فضح رويدا، فكأن قد أصبحت سادما، تعض أناملك نادما، والسلام، فكتب إليه موسى بن نصير، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما وصفت فيه من إركاني إلى أبويك وعمك، ولعمري إن كنت لذلك أهلا، ولو خبرت مني ما خبرا، لما صغرت مني ما عظما، ولا جهلت من أمرنا ما علما، فكيف أتاه الله لك؟ فأما انتقاصك لهما، فهما لك، وأنت منهما، ولهما منك ناصر لو قال وجد عليك مقالا، وكفاك جزاء العاق.
فأما ما نلت من عضي، فذلك موهوب لحق أمير المؤمنين لا لك، وأما تهددك إياي بأنك واضع مني ما رفعا، فليس ذلك بيدك ولا إليك، فارعد وأبرق لغيري، وأما ما ذكرت مما كنت آتي به عمك عبد العزيز، فلعمري إني مما نسبتني إليه من الكهانة لبعيد، وإني من غيرها من العلم لقريب، فعلى رسلك، فكأنك قد أظلك البدر الطالع، والسيف القاطع، والشهاب الساطع، فقد تم لها، وتمت له، ثم بعث إليك الأعرابي الجلف الجافي، وهو يقصد بالأعرابي الجافي، وهو قرة بن شريك العبسي، فلم تشعر به حتى يحل بعقوتك فيسلبك سلطانك، فلا يعود إليك ولا تعود إليه، فيومئذ تعلم أكاهن أم عالم، وتوقن أينا النادم السادم، والسلام، فلما قرأ عبد الله بن عبد الملك، الكتاب، كتب إلى عبد لملك كتابا، وأدرج كتاب موسى بن نصير فيه، فلم يصل الكتاب إلى عبد الملك حتى مات.
وقد وقع الكتاب في يد الوليد بن عبد الملك، بعد أن عزل عبد الله بن عبد الملك عن مصر، وقد ولى قرة بن شريك العبسي، فلما قرأه الوليد استضحك ثم قال لله دره، إن كان عنده لأثرة من علم، ولقد كان عبد الله غنيا أن يتعرضه، وقال القاسم بن الحسن بن راشد أن يحيى بن حنظلة مولى بني سهم دعى عبد الله بن عبد الملك إلى نوهة معه في موضع له بالجيزة، فلما رأى طعاما كان أكثر من طعامه، قال إن الرجل من الجند ليأخذ الخروف ما ينازعه أحد، فلما متع النهار، أقبل والي مصر الجديد قرة بن شريك العبسي على أربع من دواب البريد، إحداهن عليها الفرانق، فنزل بباب المسجد، ونزل صاحباه، فدخل فصلى عند القبلة وتحول، فجلس صاحباه عن يمينه ويساره، فأتاهم حرس المسجد، وكان له شرط يذبون عنه، فقالوا إن هذا مجلس الوالي، ولكم في المسجد سعة.
قال وأين الوالي؟ قالوا في متنزه، قال فادع خليفته، فانطلق شرطي منهم إلى عبد الأعلى فأعلمه، فقال أصحابه أرسل إليه يأتك صاغرا، قال ما بعث إلي إلا وله عليّ سلطان، أسرجوا، فركب حتى أتاه فسلم، قال أنت خليفة الوالي؟ قال نعم، قال انطلق فاطبع الدواوين وبيت المال، قال إن كنت والي خراج فلسنا أصحابك، قال ممن أنت؟ قال من فهم، فقال قرة لن تجد الفهمى إلا محافظا، على الخلق الأعلى وبالحق عالما، سأثنى على فهم ثناء يسرها، أوافى به أهل القرى والمواسما، فقال السلام عليك أيها الأمير، وكتب إلى عبد الله بن عبد الملك يعلمه، فأتاه الخبر، وقد أهديت له جارية، فبكى ولبس خفه قبل سراويله دهشا، وأما عن عبد الأعلى بن خالد بن ثابت بن ظاعن الفهمي، فهو من قبيلة فهم، وهي قبيلة قيسية مضرية من القبائل العربية القديمة.
وكانت تسكن غرب الجزيرة العربية وأشتهرت بالفصحى ولاتزال محتفظة باسمها منذ العصر الجاهلي القديم إلى الآن، وهي قبيلة الصعلوك الجاهلي تأبط شرا الفهمي، وأما عن يحيى بن حنظلة مولى بني سهم، وهو من بنو سهم، وهم بطن من بطون قريش وكان فيهم تحجير الأموال وهو تنظيم القربات والنذور التي تهدى إلى الأصنام وكذلك الفصل في الخصومات، وفى النهايه كانت ولاية عبد الله بن عبد الملك على مصر ثلاث سنين وعشرة أشهر.