الدكرورى يكتب عن الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك “جزء 2”
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك، وقال عنه ابن كثير فما كان به بأس، لكن الواضح أن درايته السياسية وكفاءته الإدارية، لم تكن تؤهله لملء مكانه، وقيادة الدولة أو تحقيق العظيم من المنجزات، والفريد من السياسات التي تلفت إليها الأنظار، فكان يزيد حاكما عاديا ليس سياسيا مقتدرا كمعاوية، أو إداريا ناجحا كعبد الملك، أو مصلحا كأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، كما لم يكن مسيئا كابنه الوليد بن يزيد، ويمكن القول إن توليته الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز جعل المفارقة بينه وبين أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز واضحة وكبيرة، وأدت إلى عتامة صورته لدى جمهرة المسلمين، وكان بإمكان يزيد أن يسير على نهج تجربة عمر بن عبد العزيز، ويعطي العلماء دورهم القيادي المنوط بهم كما كانوا في عهده، إلا أن العلماء تراجعوا إلى حد كبير، وحُرمت الأمة من تجربة ناجحة تنفست بها الصعداء.
وأطلت من خلالها على عهد الخلفاء الراشدين، ولعل هذا التراجع الذي حدث لمشاركة العلماء في عهد يزيد يرجع إلى عدة عوامل وكان أهمها، هو شخصية يزيد بن عبد الملك، حيث لم يكن بمكانة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وحماسته وحرصه على أن يسوس الناس بمنهج الله بلا محاباة ومساومة، كما لم يكن على منهج عمر في نظرته للخلافة على أنها تكليف لا تشريف، وأنها عمل لإسعاد غيره على حساب نفسه وأهله، ويدل على ذلك أن يزيد لم يُطق أن يسير على نهج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أكثر من أربعين يوما، ثم عدل عنه إلى نهج الملوك، وكان العامل الثاني مترتب على الأول ومرتبط به، إذ لما رأى العلماء عزم يزيد ترك العمل بسيرة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ولم يجدوا عنده ما وجدوه عند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، تركوه وانصرفوا إلى مسئولياتهم العلمية.
فحين قال قائل لرجاء بن حيوة لما اعتزل يزيد إنك كنت تأتي السلطان فتركتهم، قال إن أولئك الذين تريد قد ذهبوا، وأما ما ورد من أن يزيد تخلى عن السير على نهج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، لأنه شهد له أربعون شيخا بأن ليس على الملوك حساب ولا عذاب، فهذا ادعاء أوهى من أن يُرد عليه، فهو يتضمن في طياته الرد على مختلقه، فمن هم الشيوخ الذين شهدوا بذلك الزور؟ ثم إنه يتعلق بأمر من ضروريات الإيمان وبديهياته، فأي مسلم مهما بلغ به الجهل مبلغه، يعلم أنه يُسأل عن أعماله، ويجازى عليها، والحديث الصحيح ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” وهو مشهور عند عامة المسلمين فضلاً عن خاصتهم، في هذه العصور المتأخرة، فكيف بعصر صدر الإسلام؟ والخليفه يزيد بن عبد الملك بن مروان، هو الذى ذكره ابن كثير فقال فلما ولي يزيد عزم على أن يتأسى بأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز.
فما تركه قرناء السوء، وحسنوا له الظلم، وقد صورت كتب التاريخ يزيد بن عبد الملك بصورة الخليفة اللاهي عن مصالح دولته لاهثا خلف جارية، ولما ماتت رفض أن يدفنها وظل مقيما بجوارها حتى جيفت ولما دفنوها عاد ينبشها من جديد، وفي أسانيد هذه الروايات غير واحد من المجهولين، وقصة يزيد مع جاريته في الأصل بسيطة كما يبدو، فهما جاريتان جميلتان ظريفتان مغنيتان اشتراهما يزيد بعد استخلافه، فملكتا عليه قلبه، خصوصا حُبابة التي كَلف بحبها، واشتد طربه لغنائها، فحظيت عنده، فلما ماتت حزن لموتها، وجزع عليه، ولم يطل العمر به بعدها حيث مات بعدها بأيام معدودة بالطاعون أو كان مرض السُّل، وقد أغمض كثير من المؤرخين القول بموته مطعونا أو مسلولا، وجعلوه كمدا وأسفا على فقد حُبابة، مع أنه من غير المستبعد موته بسبب الطاعون أو السل، بل هو الأولى.
فكثيرا ما انتشر وباء الطاعون وغيره من الأوبئة في حواضر الشام كدمشق، فكان ذلك من الأسباب التي دعت الخلفاء الأمويين إلى بناء القصور في بوادي الشام، وإن قصة يزيد مع جاريته جاءت في المرويات التي تناولتها مهولة مشوهة، اعتراها كثير من المبالغة والاضطراب والتناقض والزيادة، بل والاختلاق فمنها ما يشير إلى تلك القصة باتزان، ومنها ما شابهه بما لا يقبل ولا يعقل، ومنها ما ظهرت فيه الإساءة والطعن بتحريف أو زيادة أو اختلاق، فجاءت تلك المرويات تحمل العجب والمنكر، وذلك إما لهوى في نفس راويه، وإما لغرض يقصده ناقلها، أو نقلها مسندة فحمل المسئولية من رواها، وقد قيل أنه كان قد ابتاع الجارية حبابة في شبابه بأربعة آلاف قطعة من الذهب، وأرغمه أخوه سليمان، وكان هو الخليفة في ذلك الوقت أن يردها إلى بائعها، ولكن يزيد لم ينسي جمالها وحنانها.