الدكرورى يكتب عن الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك “جزء 4”
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك، وقد تولى يزيد بن عبد الملك أمر المسلمين بعد الخليفة عمر بن عبد العزيز، فسار بسيرته برهة من الزمن، ثم ترك نهجه واتخذ نهجا آخر تابع فيه كثيرا من سياسات أسلافه من بني أمية الإدارية والمالية، وخالف عمر بن عبد العزيز في بعض تجديداته وإصلاحاته خاصة في المجال المالي، وبتفحص الروايات عن شخصية يزيد وسياسته يتبين أن الاختلاف بين شخصيتي يزيد وسلفه عمر هو الذي كان وراء الاختلاف بين سياسة الرجلين، فقد غلب على عمر بن عبد العزيز الوازع الديني فاتسمت سياسته بالروح الإسلامية، وكان ذلك مما دفعه إلى تطبيق السياسة الإسلامية على نظم الحكم، كما فاقه عمر من حيث القدرة والكفاءة الإدارية والحضور الدائم، والانصراف إلى العمل، وتحمل المسئولية، والحق أن يزيد بن عبد الملك لم يدع الأمور تجري بلا ضابط.
فلم يكن بالبعيد عن إدارة دفة الحكم، فسنجده وراء الكثير من الأحداث يعالجها ويوجهها ويخطط لها، لكنه لم يعط كل جهده ووقته واهتمامه لشئون دولته كما كان يفعل سلفه عمر، ومع ذلك فقد حرص على بقاء دولته مهابة مصونة في الداخل والخارج، وإن كان قد اتخذ في سبيل تحقيق ذلك سياسات تخالف نهج سلفه عمر، وقيل أنه لما ولي الخلافة يزيد بعد عمر بن عبد العزيز قد قام بتغيير غالب ما كان قرره عمر، وقال ثم عزل جماعة من العمال، فلم يقل غير كل ما قرره عمر، أو عزل جميع عماله، ويبدو واضحا أن الخليفة يزيد لم يكن يملك الرؤية البعيدة، ولم يعمل وفق استراتيجية مرسومة فى خلافته، كما يظهر أنه لم يُحط بظروف دولته بعد حركة الفتوح الكبرى التي تمت في عهد أسلافه، وأهمية استيعاب الدولة للمتغيرات التي تعيشها من جراء دخول أجناس ومذاهب مختلفة متباينة، وكان على الدولة صهرها في جسم الأمة
ونشر الدين الإسلامي بينه، وهذا ما لمسه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وسعى إليه، إلا أن الخليفة يزيد لم يدرك ذلك فعاد إلى سياسة من سبق وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ومن خلفاء بني أمية وذلك عن طريق العودة إلى تنشيط حركة الفتوح وضرب المعارضة بكل قوة، وإهمال الإصلاح الداخلي وعدم الاهتمام بصهر القوى الجديدة في أمة الإسلام وتطبيق الإحكام الإسلامية عليهم، وللحق فإن سياسة يزيد وحده لم تكن وراء الوهن الذي أصاب دولة بني أمية، ولكنه بعدم إدراكه ما تحتاجه الدولة في تلك المرحلة من إصلاح، وما تعيشه من متغيرات، وقد استمر في سياسة أسلافه قبل عمر، وأدار ظهره للكثير ما صنعه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، فاستمر الوهن في عهده، وجرت بعض سياساته بالدولة نحو هاوية الانهيار، وإن كان هذا الوهن والتدهور لم يظهر واضحا في زمنه بل استطاع الإبقاء على حدود دولته مصونة.
وكيانها مهابا، فظل ينخر في جسم الدولة متواريا، حتى ظهر ذلك متأخرا فيما بعد، وقد حدثت في عهد يزيد بن عبد الملك مجموعة من الثورات، وقد كان لكل منها ظروفها الخاصة، وأسبابها المختلفة عن الأخرى، ولكن بعضها كاد أن يذهب بوحدة الأمة في عهد الخلافة الأموية، فمن هذه الثورات، هى ثورة يزيد بن المهلب، وهو عندما تولى يزيد بن عبد الملك الخلافة خرج عليه يزيد بن المهلب، وخلع بيعته واستولى على البصرة، فجهز يزيد بن عبد الملك لقتاله جيشا بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك، فجمع يزيد بن المهلب جموعا كبيرة، والتقى الطرفان بالعقر من أرض بابل، ودارت بينهما معركة رهيبة دامت ثمانية أيام تم قتل فيها يزيد بن المهلب، وعدد من إخوته، وخلق كبير من جيشه، وتفرق سائر جيشه وأهل بيته فلوحقوا وتم قتلهم بكل مكان وكان ذلك سنة مائه واثنين من الهجره، وكان هناك أيضا حركات الخوارج.
مثل حركة شوذب، وهى بعد ما إن تولى يزيد بن عبد الملك الخلافة حتى تجددت حركة شوذب الخارجي، وتم القضاء عليه وعلى أصحابه على يد مسلمة بن عبد الملك أثناء سيره للقضاء على حركة بن المهلب، فإنه لما دخل الكوفة شكا إليه أهلها شوذب وخوفهم منه، فجهز جيشا من عشرة آلاف جعل قيادته لسعيد بن عمرو الحرشي، ووجهه إليهم فدارت سنة مائه وواحد من الهجره، هذه الوقعة، وتم القضاء على شوذب وكل أصحابه، وكذلك حركة مسعود العبدي في البحرين واليمامة، وقد تم القضاء عليها على يد سفيان بن عمرو العقيلي أمير اليمامة، وكان القضاء عليها في أواخر عهد يزيد على قول البعض، وهناك من يرى أن الحركة في عهد يزيد كانت على يد أخو مسعود العبدي، وكان هناك أيضا حركة مصعب الوالبي، وقد خرج مصعب الوالبي بالكوفة، وتم القضاء عليه في عهد يزيد بن عبد الملك بواسطة عامله ابن هبيرة.