الدكرورى يكتب عن الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك “جزء 5”
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك “جزء 5”
ونكمل الجزء الخامس مع الخليفة يزيد الثاني بن عبد الملك، وكان هناك أيضا حركة عقفان، وقد خرج عقفان الحروري على يزيد بن عبد الملك بناحية دمشق وكان عدد أصحابه ثمانين رجلاً من الخوارج وعندما أراد يزيد القضاء عليه عسكريا، وقد أشاروا عليه أن يبعث إلى كل رجل من أصحاب عقفان رجلا من قومه يرده عن رأي الخوارج، على أن يؤمنهم الخليفة، فقد قالوا للخليفة إن تم قتل هؤلاء بهذه البلاد اتخذها الخوارج دار هجرة، فوافقهم الخليفة على رأيهم، وسار إليهم أهلوهم وقالوا لهم إنا نخاف أن نؤخذ بك، وقد قاموا بتأمينهم فرجعوا عن رأيهم وانفضوا من حول زعيمهم عقفان، فظل وحده فأرسل إليه يزيد أخاه فاستعفه وفام بتامينة، فأعاده وقد ترك رأي الخوارج، بل إنه خدم الدولة فتولى زمن هشام أمر العصاة، ثم استعمل على الصدقة حتى توفي هشام، وكانت هناك أيضا حركة شريم اليهودي.
وهو يهودي سوري أعلن أنه المسيح المنتظر والمنقذ لليهود، وسير حملة لانتزاع فلسطين من المسلمين، فغادر يهود بابل وأسبانيا موطنهم ليشتركوا في هذه المغامرة، إلا أن القائم بها تم أسره، وعرضه الخليفة يزيد بن عبد الملك على الناس على أنه مهرج دجال، ثم أمر به فتم قتله، ويتضح لنا أن خلافة يزيد بن عبد الملك كانت نموذجا صريحا للخليفة العادي، الذي اتضح الفارق بينه وبين سابقه الخليفة عمر بن عبد العزيز، وكان ذلك الأمر الذي جعله في نظر الجميع خليفة لا يرقى إلى مستوى الخلافة وأهليتها، وهذا يزيد الذى قال عند توليه الخلافه والله ما عمر بن عبد العزيز بأحوج إلى الله مني، فأقام أربعين يوما يسير بسيرته، فتلطفت حبابة جاريته وغنته أبياتا، فقال للخادم ويحك، قل لصاحب الشرط يصلي بالناس، وقيل أن حبابه هي التي أحب يوما الخلوة معها، فحذفها بعنبة، وهي تضحك، فوقعت في فيها فشرقت، فماتت.
وظلت عنده حتى أروحت، أى أصبحب جيفه لها ريحه كريهه، واغتم لها ثم زار قبرها وقال فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد، ثم قال من اجلك هذا هامة اليوم أو غد، ثم رجع يزيد من زيارة قبرها، فما خرج إلا على النعش، وقيل أنه عاش بعدها خمسة عشر يوما، وقد قيل عن حبابه أنها كانت بديعة الحسن، ومجيدة للغناء، وقد لامه وعاتبه أخوه مسلمة من شغفه بها، وتركه مصالح المسلمين، فما أفاد، وقيل عن يزيد أنه كان لا يصلح للإمامة، مصروف الهمة إلى اللهو والغواني، وقيل أنه مشى مع جارية في قصوره بعد موت حبابة، وهى سلامة القس، وهى جارية الخليفة يزيد بن عبد الملك، والتى شغف بها عبد الرحمن الجشمي، الملقب بالقس، لكثرة عبادته، وكان تابعيا، فنسبت إليه، وقد اشتراها يزيد بن عبد الملك ثلاثة آلاف دينار، فانتقلت إلى بلاطه، وكان يفضل عليها حبابة، وكان لها شعر في رثاء يزيد.
وقد أدركت أيام ابنه الوليد، وتوفيت بدمشق وكان عندما حزن يزيد على موت محبوبته حبابه فقالت له جاريته كفى حزنا بالواله الصب أن يرى منازل من يهوى معطلة قفرا، فصاح، وخر مغشيا عليه، ومات بعد أيام، وتتلخص قصة حبابة حسب معظم الروايات، أنه كان للخليفة قصر في إربد كان ينزله متى أراد، وكان يستخدمه للهو والسرور والاستراحة في رحلات الصيد التي كان يقوم بها في الصحراء الأردنية، وفي إحدى المرات قام برحلة تنزه إلى بيت راس وأخذ يلهو هناك مع جاريته حبابه ويأكلان الرمان والعنب، حتى شرقت هذه الجارية بحبّة عنب فلفظت أنفاسها بين يديه، فجن جنونه على موتها بهذه الصورة المفجعة، فأبقاها ثلاث ليال وهو يشمها ويقبّلها، ويذرف الدمع على فراقها حتى عاب عليه أقاربه وحاشيته ما يصنع، فأذن لهم بغسلها ودفنها في ثرى بيت رأس، وأما الخليفة يزيد فقد رجع إلى قصره في إربد، ومكث بعدها أربعين يوما.
ثم لفظ أنفاسه حزنا عليها، وقيل أنه دُفن حيث مات في إربد، والأرجح أنه نقل على أكتاف الرجال إلى دمشق ليوارى هناك في حدود سنة مائه وخمسه من الهجره، ولكن كون العديد من الروايات لهذه القصة وقصص أخرى تشبهها عن ذات الخليفة غير مؤكدة كونها موضوعة أو مُبالغا في روايتها للتركيز على عشق الخليفة المزعوم للجاريات، وقد ذكر بعض المؤرخين رفضهم لمثل هذه الروايات ومبالغاتها ويردونها إلى نقمة العباسيين المتمردين على الأمويين وخاصة في هذه الفترة من أواخر حكم الأمويين، وأنها مدسوسة ومغرضة، وقد قيل عن يزيد بن عبد الملك أنه مات بسواد الأردن، ومرض بنوع من السل، كانت دولته أربعة أعوام وشهرا، وعهد بالخلافة إلى أخيه هشام بن عبد الملك، ثم من بعده لولده الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وقد أنجب يزيد أحد عشر ابنا، وقد مات في خلافته من الأعلام.
وهم الضحاك بن مزاحم وعدي بن أرطاة وأبو المتوكل الناجي، وعطاء بن يسار ومجاهد ويحيى بن وثاب مقرئ الكوفة، وخالد بن معدان والشعبي عالم العراق، وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، وأبو قلابة الجرمي وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري وآخرون.