الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان “جزء 3”

الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان “جزء 3”

ونكمل الجزء الثالث مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ثم تخلى أهل العراق عن مصعب وخذلوه حتى لم يبقي معه سوى سبعة رجال، ولكنه ظل يقاتل في شجاعة وبسالة حتى أثخنته الجراح، وأخيرا قتله زياد بن ظبيان، وكان مقتله في المكان الذي دارت فيه المعركة على قصر دجيل عند دير الجاثليق في شهر جمُادى الآخرة سنة اثنين وسبعين من الهجرة، فلما بلغ عبد الملك بن مروان مقتله قال واروه فقد والله كانت الحرمة بيننا قديمة، ولكن هذا المُلك عقيم، وبمقتل مصعب عادت العراق إلى حظيرة الدولة الأموية، وعين عبد الملك أخاه بشرا واليا عليها، وقبل أن يغادرها جهز جيشا للقضاء على عبد الله بن الزبير في مكة، وبعد مقتل مصعب انحصرت دولة ابن الزبير في الحجاز، ولم يكن في استطاعته الصمود لافتقاره إلى المال والرجال.

كما أن مقتل أخيه مصعب قد شتت في عضده وأصابه بالإحباط، ولكنه لم يُلقي الراية، وظل يقاوم حتى النهاية، وقد جهز عبد الملك بن مروان جيشا قوامه عشرون ألفا من أهل الشام وغيرهم بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي، ووجهه لقتال ابن الزبير في مكة، فحاصر الحجاج ابن الزبير، ونصب المنجنيق على الكعبة من جبل أبي قبيس، فلما أهل شهر ذو الحجة لم يستطع ابن الزبير أن يحج، وحج بالناس ابن عمر، وطلب من الحجاج أن يكف عن ضرب الكعبة بالمنجنيق، لأنه قد منع الناس من الطواف، فامتثل الحجاج، ولكن بعد فراغ الناس من طواف الفريضة نادى الحجاج في الناس أن يعودوا إلى بلادهم، لأنه سيعود إلى ضرب البيت بالحجارة، وبالفعل بدأ يضرب الكعبة، وشدد على ابن الزبير وتحرج موقفه وانفض عنه معظم أصحابه، ومنهم ابناه حمزة وخبيب.

اللذان ذهبا إلى الحجاج وأخذا منه الأمان لنفسيهما، فلما رأى ذلك دخل على أمه فشكا إليها خذلان الناس له، وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبقي معه إلا اليسير، ولم يبقي لهم صبر ساعة، وأن القوم يعطونه ما شاء من الدنيا، فقالت له يا بني، أنت أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه فقد قتلوا عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت تعلم أنك إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت؟ أهلكت نفسك وأهلكت من قتلوا معك، وإن كنت على حق فما وهن الدنيا، وإلى كم خلودك في الدنيا؟ القتال أحسن، فدنا فقبل رأسها، وقال هذا والله رأيي، والذي قمت به داعيا إلى يومي هذا، وما ركنت إلى الدنيا، ولا أحببت البقاء فيها، ولكنني أحببت أن أعلم رأيك فزدتني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمه.

فإني مقتول في يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي الأمر لله، فخرج من عندها، وذهب إلى القتال فتم قتله من يومه، وهو السابع عشر من شهر جمادى الأولى سنة ثلاثه وسبعين من الهجرة، وبذلك انتهت دولته التي استمرت حوالي تسع سنين، وهكذا فقد ثابر عبد الملك بن مروان وصبر وجاهد لتوطيد دعائم الدولة الإسلامية تحت قيادته ونجح في ذلك نجاحا كبيرا، ومن هنا استحق عبد الملك عن جدارة لقب موحد الدولة الإسلامية أو المؤسس الثاني للدولة الأموية، بعد معاوية مؤسسها الأول، ولم يعكر صفو عبد الملك بعد أن حقق وحدة الدولة حوالي ثلاثه وسبعين من الهجرة، إلا ثورة عبد الرحمن بن الأشعث وكانت ثورة عارمة، ولكن عبد الملك استطاع القضاء عليها بفضل مهارة قائده الحجاج بن يوسف الثقفي، ورباطة جأشه.

فقد تمكن الحجاج بعد معارك شرسة من القضاء على هذه الثورة سنة ثلاثه وثمانين من الهجره، ولم يظهر عبد الملك شجاعة ومقدرة ومهارة في القضاء على خصومه السياسيين فحسب، بل أظهر براعة في إدارة الدولة وتنظيمها، وكان شبيها في ذلك بمعاوية في كثير من الوجوه فقد استعان بنخبة من أمهر رجال عصره في الإدارة والسياسة مثل الحجاج بن يوسف الذي أخلص للخليفة وبذل أقصى جهده في تثبيت أركان دولته، كما اعتمد على رجال بيته من إخوته مثل عبد العزيز ومحمد وبشر وغيرهم، وكذلك اقتدى عبد الملك بمعاوية بن أبي سفيان في مباشرة أعمال دولته بنفسه وتصفح أمورها، فكان دائم المراقبة لعماله، ولم يكن يتوانى عن محاسبتهم مهما كانت أقدارهم، فحتى الحجاج بن يوسف رغم مكانته لم يسلم من مساءلة عبد الملك له إذا قصر أو أخطأ.