نبي الله يونس عليه السلام “جزء 2”

الدكرورى يكتب عن نبي الله يونس عليه السلام “جزء 2”

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

نبي الله يونس عليه السلام “جزء 2”

ونكمل الجزء الثاني مع نبي الله يونس عليه السلام، فمن نسب إلى يونس عليه السلام أنه ذهب مغاضبا لله فقد افترى على نبي الله ونسب إليه الجهل بالله والكفر به، وهذا يستحيل على الأنبياء لأنهم معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها، وأما قوله تعالى “فظن أن لن نقدر عليه” أي ظن أن الله تعالى لن يُضيق عليه بتركه لقومه قبل أن يؤمر بذلك، ولا يجوز أيضا أن يعتقد أن نبي الله يونس عليه السلام ظن أن الله تعالى لا يستطيع عليه لأن هذا مما لا يعذر فيه أحد العوام فضلا عن نبي كريم، فأنبياء الله تعالى جميعهم عارفون بالله وهم أفضل خلق الله عز وجل وقد عصمهم الله تعالى من الجهل به ومن كل فعل وقول واعتقاد ينافي العصمة، ومن نسب إلى نبي الله انه ظن أن الله تعالى لا يستطيع عليه فقد نسب إليه الكفر والجهل بالله

وهذا لا يجوز في حق الأنبياء للعصمة الواجبة في حقهم، فجميع الأنبياء منذ نشأتهم كانوا عارفين بالله، وقد أفاض الله تبارك وتعالى على قلوبهم معرفته، فكانوا مؤمنين مسلمين معصومين من الكفر والضلال، فهم لا يعتقدون ما ينافي العقيدة الصحيحة التي أمرهم باتباعها وتعليمها للناس، وحذر نبي الله يونس أهل نينوى من العذاب إن لم يؤمنوا به ويتبعوا دين الإسلام، ثم خرج مغاضبا لهم لإصرارهم على كفرهم وعدم اتباعهم دعوته، ولما خرج عليه السلام وهو آيس منهم تغشاهم صباحا العذاب وصار قريبا جدا منهم، وقيل ظهرت السُّحب السوداء في السماء وثار الدخان الكثيف وهبطت السحب بدخانها حتى غشيت مدينتهم واسودت سطوحهم ولما أيقنوا بالهلاك والعذاب أنه واقع بهم طلبوا يونس عليه السلام فلم يجدوه، وألهمهم الله تعالي بالتوبة والإنابة.

فأخلصوا النية في ذلك وقصدوا شيخا وقالوا له قد نزل بنا ما ترى فماذا نفعل؟ فقال لهم آمنوا بالله وتوبوا، عند ذلك آمنوا بالله وبرسوله يونس عليه السلام وكانوا خرجوا من القرية ولبسوا المسوح وهي ثياب من الشعر الغليظ، وحثوا على رؤوسهم الرماد، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام، ثم عجوا ورفعوا أصواتهم في الدعاء إلى الله وتضرعوا وبكى النساء والرجال والبنون والبنات وجأرت وصاحت الأنعام والدواب، وكانت ساعة عظيمة هائلة وعجوا إلى الله تعالي بالتوبة الصادقة وردوا المظالم جميعا حتى إنه كان أحدهم ليقلع الحجر من بنائه فيرده إلى صاحبه فاستجاب الله منهم وكشف عنهم بقدرته ورحمته العذاب الشديد الذي كان قد دار على رؤوسهم وصار قريبا جدا منهم كَقطع الليل المظلم، ويقال إن توبتهم في يوم عاشوراء يوم الجمعة.

ويقول الله عز وجل كما جاء في سورة يونس ” فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين” وهناك مؤرخون أكدوا إن دعوة نبى الله يونس عليه السلام، لقومه استمرت ثلاثا وثلاثين سنة، إلا أنه لم يؤمن معه سوى رجلين، ولذلك شعر يونس عليه السلام باليأس من قومه، فتركهم وغادر بلدتهم، وظن أن الله سبحانه وتعالى لن يؤاخذه بهذا الخروج، لأنه قدم كل ما عليه في سبيل دعوة قومه، ولم يستجيب له أحد، وكما قال ابن الأثير في كتابه الكامل ولم ينسب أحد من الأنبياء إلى أمه إلا عيسى ابن مريم ويونس بن متى، وهي أمه وقال أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظم ومتى أبوه وهو من ولد بنيامين بن يعقوب عليه السلام، وفي مختصر تاريخ دمشق، أن نبي الله يونس بن متى.

ذو النون نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكان من أهل الشام من أعمال بعلبك، ونبى الله يونس أصبح نبيا وله أربعون سنة، وكان من عباد بني إسرائيل، فهرب بدينه من الشام ونزل شاطئ دجلة، فبعثه الله تعالي إلى أهل نينوى وكان يونس عبدا صالحا لم يكن في الأنبياء أحد أكثر صلاة منه، كان يصلي كل يوم ثلاثمائة ركعة قبل أن يطعم وقلما كان يطعم من دهره، وكان يصلي كل ليلة قبل أن يأخذ مضجعه ثلاثمائة ركعة وقلما كان يتوسد الأرض، فلما أن فشت المعاصي في أهل نينوى وعظمت أحداثهم بعث إليهم، ولما وعد نبى الله يونس بن متى عليه السلام قومه بالعذاب بعد ثلاثة أيام إن لم يؤمنوا وخرج من بينهم مغاضبا لهم بسبب كفرهم وإصرارهم وتماديهم في غيهم وضلالهم.