الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي يزيد الثالث بن الوليد “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي يزيد الثالث بن الوليد “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع الخليفة الأموي يزيد الثالث بن الوليد، فدخلوا من سائر أبواب البلد كل أهل محلة من الباب الذي يليهم، فكثرت الجيوش حول يزيد بن الوليد بن عبد الملك في نصرته، وكلهم قد بايعه بالخلافة، وبعث يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد في مائتي فارس إلى قطنا، ليأتوه بعبد الملك بن محمد بن الحجاج نائب دمشق وله الأمان، وكان قد تحصن هناك، فدخلوا عليه فوجدوا عنده خرجين في كل واحد منهما ثلاثون ألف دينار، فلما مروا بالمزة قال أصحاب ابن مصاد خذ هذا المال فهو خير من يزيد بن الوليد، فقال لا والله، لا تحدث العرب أني أول من خان، ثم أتوا به يزيد بن الوليد فاستخدم من ذلك المال جندا للقتال قريبا من ألفي فارس، وبعث به مع أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك خلف الوليد بن يزيد ليأتوا به، وركب بعض موالي الوليد فرسا سابقا.
فساق به حتى انتهى إلى مولاه من الليل، وقد نفق الفرس من السوق، فأخبره الخبر فلم يصدقه وأمر بضربه، ثم تواترت عليه الأخبار فأشار عليه بعض أصحابه أن يتحول من منزله إلى حمص فإنها حصينة، وقال الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي أنزل على قومي بتدمر، فأبى أن يقبل شيئا من ذلك، بل ركب بمن معه وهو في مائتي فارس، وقصد أصحاب يزيد فالتقوا بثقلة في أثناء الطريق، فأخذوه وجاء الوليد فنزل حصن البخراء الذي كان للنعمان بن بشير، وجاءه رسول العباس بن الوليد إني آتيك، وكان من أنصاره، فأمر الوليد بإبراز سريره فجلس عليه وقال أعليّ يتوثب الرجال وأنا أثب على الأسد وأتخصر الأفاعي ؟ وقدم عبد العزيز بن الوليد بمن معه، وإنما كان قد خلص معه من الألفي فارس ثماني مائة فارس، فتصافوا فاقتتلوا قتالا شديدا.
فقتل من أصحاب العباس جماعة حملت رؤسهم إلى الوالي، وقد كان جاء العباس بن الوليد لنصرة الوليد بن يزيد، فبعث إليه أخوه عبد العزيز فجيء به قهرا حتى بايع لأخيه يزيد بن الوليد واجتمعوا على حرب الوليد بن يزيد، فلما رأى الناس اجتماعهم فروا من الوليد إليهم، وبقي الوليد في ذل وقل من الناس، فلجأ إلى الحصن، فجاؤا إليه وأحاطوا به من كل جانب يحاصرونه، فدنا الوليد من باب الحصن فنادى ليكلمني رجل شريف، فكلمه يزيد بن عنبسة السكسكي، فقال الوليد ألم أدفع الموت عنكم؟ ألم أعط فقرائكم؟ ألم أخدم نساءكم ؟ فقال يزيد إنما ننقم عليك انتهاك المحارم وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله عز وجل، فقال حسبك يا أخا السكاسك، لقد أكثرت وأغرقت، وإن فيما أحل الله لي لسعة عما ذكرته، ثم قال أما والله لئن قتلتموني لا ترتقن فتنتكم.
ولا يلم شعثكم، ولا تجتمع كلمتكم، ورجع إلى القصر فجلس ووضع بين يديه مصحفا فنشره، وأقبل يقرأ فيه وقال يوم كيوم عثمان، واستسلم، وتسوروا عليه أولئك الحائط، فكان أول من نزل إليه يزيد بن عنبسة، فتقدم إليه وإلى جانبه سيف، فقال نحه عنك، فقال الوليد لو أردت القتال به لكان غير هذا، فأخذ بيده وهو يريد أن يحبسه حتى يبعث به إلى يزيد بن الوليد، فبادره عليه عشرة من الأمراء، فأقبلوا على الوليد يضربونه على رأسه ووجهه بالسيوف، حتى قتلوه، ثم جروه برجله ليخرجوه، فصاحت النسوة، فتركوه واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه، واحتاطوا على ما كان معه مما كان خرج به في وجهه ذلك، وبعثوا به إلى يزيد مع عشرة نفر منهم منصور بن جمهور، وروح بن مقبل، وبشر مولى كنانة من بني كلب، وعبد الرحمن الملقب بوجه الفلس.
فلما انتهوا إليه بشروه بقتل الوليد، وسلموا عليه بالخلافة، فأطلق لكل رجل من العشرة عشرة آلاف، فقال له روح بن بشر بن مقبل أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق، فسجد شكرا لله، ورجعت الجيوش إلى يزيد، فكان أول من أخذ يده للمبايعة يزيد بن عنبسة السكسكي فانتزع يده من يده، وقال اللهم إن كان هذا رضى لك فأعني عليه، وكان قد جعل لمن جاءه برأس الوليد مائة ألف درهم، فلما جيء به وكان ذلك ليلة الجمعة من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة، فأمر يزيد بنصب رأسه على رمح وأن يطاف به في البلد، فقيل له إنما ينصب رأس الخارجي، فقال والله لأنصبنه، فشهره في البلد على رمح ثم أودعه عند رجل شهرا، ثم بعث به إلى أخيه سليمان بن يزيد فقال أخوه بعدا له، أشهد أنك كنت شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي هذا الفاسق وأنا أخوه لم يأنف من ذلك.