الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي يزيد الثالث بن الوليد “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي يزيد الثالث بن الوليد “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع الخليفة الأموي يزيد الثالث بن الوليد، ويوسف بن عمر هو بن عم الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد قال ابن عساكر لما هلك الحجاج بن يوسف الثقفي، وتولى بعد يزيد بن المهلب العراق لسليمان بن عبد الملك أخذ يوسف بن عمر مع آل الحجاج ليعذب وكان يزيد بن المهلب يبغض الحجاج وأقاربة، فقال يوسف أخرجوني أسأل، فدفع إلى الحارث الجهضمي وكان مغفلا، فأتى دارا لها بابان، فقال دعني أدخل إلى عمتي أسألها فدخل وهرب من الباب الآخر، وكان يوسف من ولاة العهد الأموي، وكانت منازل أهله في البلقاء بشرقي الأردن، تولي اليمن لهشام بن عبد الملك سنة مائه وسته من الهجره، وكانت قبضته شديدة فيها، فبعد ولايته بسنة واحدة خرج عليه في اليمن عباد الرعيني الذي ادعى أنه حميري آخر الزمان، وكان له من الأتباع ثلاثمائة رجل.
فتمكن يوسف من القضاء على ثورته وقتله مع أصحابه، مما زاد في مكانته عند الخليفة فما زال على اليمن حتى جاءه التقليد بولاية العراق، فاستخلف ابنه الصلت على اليمن وسار هو للعراق، وقد كان منصور بن جمهور أعرابيا جلفا وكان يدين بمذهب الغيلانية القدرية، ولكن كانت له آثار حسنة، وعناء كثير في مقتل الوليد بن يزيد، فحظي بذلك عند يزيد بن الوليد، ويقال إنه لما فرغ الناس من الوليد ذهب من فوره إلى العراق فأخذ البيعة من أهلها إلى يزيد، وقرر بالأقاليم نوابا وعمالا وكر راجعا إلى دمشق في آخر رمضان، فلذلك ولاه الخليفة ما ولاه، والله أعلم، وأما يوسف بن عمر فإنه فر من العراق فلحق ببلاد البلقاء، فبعث إليه أمير المؤمنين يزيد فأحضره إليه، فلما وقف بين يديه أخذ بلحيته وكان كبير اللحية جدا، ربما كانت تجاوز سرته وكان قصير القامة.
فوبخه وأنبه ثم سجنه وأمر باستخلاص الحقوق منه، ولما انتهى منصور بن جمهور إلى العراق قرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين إليهم، في كيفية مقتل الوليد، وأن الله أخذه أخذ عزيز مقتدر، وأنه قد ولى عليهم منصور بن جمهور لما يعلم من شجاعته ومعرفته بالحرب، فبايع أهل العراق ليزيد بن الوليد، وكذلك أهل السند وسجستان، ومنصور بن جمهور بن حصن الكلبي، هو من فرسان العرب المعدودين في عصر بني أمية، وقد خرج مع يزيد الناقص على الوليد بن يزيد، وكان مع من شارك في قتل الوليد، ولاه يزيد العراق وخرسان، وقاتل الضحاك بن قيس الخارجي، ثم قام يزيد بعزله فلحق بالشام، ولما ولي مروان بن محمد خرج عليه منصور بن جمهور ولحق بالسند فغلب عليها، فلما أصبحت الدولة لبني العباس ظفروا به وقتلوه، وأما نصر بن سيار نائب خراسان.
فإنه امتنع من السمع والطاعة لمنصور بن جمهور، وأبى أن ينقاد لأوامره، وأما نصر بن سيار نائب خراسان فإنه امتنع من السمع والطاعة لمنصور بن جمهور، وأبى أن ينقاد لأوامره، وقد كان نصر هذا جهز هدايا كبيرة للوليد بن يزيد فاستمرت له، ونصر بن سيار بن رافع بن حري بن ربيعة الكناني، وهو آخر ولاة الأمويين على خراسان، وقد ولاه هشام بن عبدالملك، وكان نصر بن سيار، هو شيخ مضر بإقليم خراسان، وقد عُرف بالدهاء والشجاعة، وقد ولي بلخ، ثم خراسان سنة مائه وعشرين من الهجره، بعد وفاة واليها أسد بن الفرات القسري، وقد غزا بلاد ما وراء النهر، ففتح حصونا كثيرة، وأقام بمرو، واستفحل أمر الدعوة العباسية في عهده بخراسان، فكتب عدة رسائل إلى السلطات الأموية بالشام يحذرهم وينذرهم من خطورة الوضع في أقاليمه، فلم يعيروه التفاتا.
فصبر على تدبير الأمور، ولكن قصرت إمكاناته عن الوقوف في وجه الدعوة العباسية، وأخيرا غلبه أبو مسلم الخراساني على خراسان، واضطره إلى الخروج من مرو سنة مائه وثلاثين من الهجره، وتوجه إلى نيسابور، فأرسل أبو مسلم في أثره قحطبة بن شبيب، فانتقل ابن سيار إلى قومس، وكتب إلى ابن هبيرة، وهو بواسط، يطلب منه المدد، وكتب إلى الخليفة الأموي مروان بن محمد بالشام، وأخذ يتنقل من بلد إلى بلد ينتظر النجدة إلى أن مرض في مفازة بين الري وهمزان، ومات بساوة، وقد استشعر بوادر الانفجار ونذر الخطر وكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة، وهو والي العراق في تلك الأيام، يعلمه في أبيات من نظمه ما شاع بخراسان من الاضطراب في العامين الماضيين، ويحذره من خطورة الوضع، ويصارحه أنه إذا استمر في التدهور.
ولم يعالج معالجة حازمة، فأنه سيؤدي لا محالة إلى عاقبة وخيمة وكارثة عظيمة، وفي هذه السنة كتب مروان الملقب، بالحمار، كتابا إلى عمر بن يزيد أخي الوليد بن يزيد، يحثه على القيام بطلب دم أخيه الوليد، وكان مروان يومئذ أميرا على أذربيجان وأرمينية، ثم إن يزيد بن الوليد عزل منصور بن جمهور عن ولاية العراق وولى عليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وقال له إن أهل العراق يحبون أباك فقد وليتكها، وكان ذلك في شوال، وكتب له إلى أمراء الشام الذين بالعراق يوصيهم به خشية أن يمتنع منصور بن جمهور، من تسليم البلاد إليه، فسلم إليه وأطاع وسلم، وكتب الخليفة إلى نصر بن سيار باستمراره بولاية خراسان مستقلا بها، فخرج عليه رجل يقال له الكرماني، لأنه ولد بكرمان.