الدكرورى يكتب عن القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي، فضم الحجاج إلى الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير، ولم يكن أهل الشام يخرجون في الجيوش، فطلب الحجاج من الخليفة أن يسلطه عليهم، ففعل، فأعلن الحجاج أن أيما رجل قدر على حمل السلاح و لم يخرج معه، أمهله ثلاثا، ثم قتله، وقد أحرق داره، وانتهب ماله، ثم طاف بالبيوت باحثا عن المتخلفين، وبدأ الحجاج بقتل أحد المعترضين عليه، فأطاع الجميع، وخرجوا معه، بالجبر لا الإختيار، وقد لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة سنة أربعة وستين من الهجره، بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
وقد دان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز، فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج، للقضاء على دولته تماما، وقد حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيق الخناق على ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغني عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير، وكان عمره اثنين وسبعين عاما، وتم القضاء على دولته.
وتم عودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام ثلاثه وسبعين من الهجره، تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان، وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة، فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته، حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود، وعلى قدر شهرة الحجاج بن يوسف الثقفى، فكانت شهرة ما نسب إليه من مظالم، حتى عده كثير من المؤرخين صورة مجسمة للظلم، ومثالا بالغا للطغيان، وأصبح ذكر اسمه يستدعي في الحال معاني الظلم والاستبداد، وقد ضاعت أعمال الحجاج الجليلة بين ركام الروايات.
التي تروي مفاسده وتعطشه للدماء، وإسرافه في انتهاكها، وأضافت بعض الأدبيات التاريخية إلى حياته ما لم يحدث حتى صار شخصية أسطورية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع، وقليل من المؤرخين من أنصف الحجاج، ورد له ما يستحق من تقدير، وبعد أن انتصر الحجاج بن يوسف الثقفى، في حربه على عبد الله بن الزبير، أقره عبد الملك بن مروان على ولاية مكة، وعلى ولاية الحجاز كله، فكرهه أهل مكة، وكان الحجاج وأهل مكة والمدينة على خلاف كبير، وقيل أن عبد الله بن عمر توفي في عام أربعه وسبعين من الهجره، وقبل ذلك أمر أن يدفنوه ليلا، ولا يعلموا الحجاج لئلا يصلي عليه، وفي خمسه وسبعين من الهجرة، وحج عبد الملك بن مروان، وخطب على منبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فعزل الحجاج بن يوسف.
عن الحجاز لكثرة الشكايات فيه، وأقره على العراق، قد أجمع المؤرخون على أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان سفاحا، وقد ترك وراءه بحرا من الدماء، ومنها دماء المتقين والصالحين من المسلمين، ولم يُعلم شيء أشد على الله من سفك دم المسلم، وقد قيل فيه الكثير من الأقوال، فقال الذهبي في الحجاج ” أنه قد أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين من الهجره وكان كهلا،أى رجل عجوز، وكان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سافكا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، ويقول الذهبى قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ورميه إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله.