الدكرورى يكتب عن القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي “جزء 5”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي “جزء 5”
ونكمل الجزء الخامس مع القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي، وأحل الأمن والسلام إلى استئناف حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة ابن الأشعث بهذه المهمة، وكان جيشا عظيما أنفق في إعداده وتجهيزه أموالا طائلة حتى أطلق عليه جيش الطواويس، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة حتى أخمد هذه الفتنة العمياء، ثم عاود الحجاج سياسة الفتح، وأرسل الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة خمسه وثمانين من الهجرة، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد، فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل بلخ، وبيكند.
وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانة، والشاس، وكشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند، وبعث الحجاج بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه كان قائدا عظيما موفور القدرة، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمس سنوات، في أن يفتح مدن وادي السند، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن “سر فأنت أمير ما افتتحته” وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له “أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها”
وكان الحجاج يتابع سير حملات قادته يوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات، ولم يبخل على قادتها بالنصح والإرشاد، حتى حققت هذه النتائج العظيمة ووصلت رايات الإسلام إلى حدود الصين والهند، وقد أعاد الحجاج حفر قنوات الماء التي طُمرت في الحروب والمعارك، وقد وحد الموازين والمكاييل، وحوّل لغة دواوين الحكومة من اللغة الفهلوية وهي اللغة الفارسية القديمة، إلى اللغة العربية، وأيضا سك العملة باللغة العربية، ونظم عمل الجيش، وجعل خدمة الوطن إجبارية، وكما قيل أن الحجاج بن يوسف كان له إصلاحات في الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق فقد قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها.
فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين، ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة ثلاثة وثمانين من الهجرة، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه، وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاتة وعمالة، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة.
عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق، ويذكر التاريخ للحجاج أنه ساعد في تعريب الدواوين، وفي الإصلاح النقدي للعملة، وضبط معيارها، وإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية، واهتم بالفلاحين، وأقرضهم، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث، وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة، وكان من أقوال الحجاج بن يوسف الثقفي “أيها الناس من أعياه داؤه فعندي دواؤه ومن استطال أجله فعلي أن أعجله ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه، إني أنذر ثم لا أنظر وأحذر ثم لا أعذر وأتوعد ثم لا أعفو، ويقول إني لأحتمل الشر بثقله، وأحذوه بنعله، وأجزيه بمثله، وإن امرء ذهبت ساعة من عمره في غير ما خُلق له لحري أن تطول عليها حسرته إلى يوم القيامة”