الدكرورى يكتب عن القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي “جزء 6”
ونكمل الجزء السادس مع القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي، ويحكى أن كلثوم بن الأغر كان قائدا في جيش عبدالملك بن مروان وكان الحجاج بن يوسف يبغض كلثوم فدبر له مكيده جعلت عبدالملك بن مروان يحكم على كلثوم بن الأغر بالإعدام بالسيف، فذهبت أم كلثوم إلى عبدالملك بن مروان تلتمس عفوه فاستحى منها لأن عمرها جاوز المائه عام، فقال لها سأجعل الحجاج يكتب في ورقتين الأولى يُعدم وفي الورقه الثانيه لايعدم، ونجعل ابنك يختار ورقة قبل تنفيذ الحكم فإن كان مظلوم نجاه الله تعالى، فخرجت والحزن يعتريها فهي تعلم أن الحجاج يكره ابنها والأرجح أنه سيكتب في الورقتين يُعدم، فقال لها ابنها لا تقلقي يا أماه، ودعي الأمر لي، وفعلا قام الحجاج بكتابه كلمة يُعدم في الورقتين، وتجمع الملأ في اليوم الموعود ليروا ما سيفعل كلثوم.
ولما جاء كلثوم في ساحة القصاص قال له الحجاج وهو يبتسم بخبث اختر واحده، فابتسم كلثوم، واختار ورقه وقال اخترت هذه، ثم قام ببلعها دون أن يقرأها، فاندهش الوالي وقال ما صنعت يا كلثوم لقد أكلت الورقه دون أن نعلم ما بها، فقال كلثوم يا مولاي اخترت ورقه وأكلتها دون أن أعلم ما بها ولكي نعلم ما بها، انظر للورقة الأخرى فهي عكسها، فنظر الوالي للورقة الباقية فكانت يُعدم، فقالوا لقد اختار كلثوم أن لا يعدم، ومن أقوال الحجاج قال، أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، رجل خطم نفسه وزمها فقادها بخطامها إلى طاعة الله وكفها بزمامها عن معاصي الله، وقال رحم الله امرئ رد نفسه، امرئ اتهم نفسه، امرئ اتخذ نفسه عدوه، امرئ حاسب نفسه قبل أن يكون الحساب إلى غيره، امرئ نظر إلى ميزانه، امرئ نظر إلى حسابه، امرئ وزن عمله.
امرئ فكر فيما يقرأ غدا في صحيفته ويراه في ميزانه، وكان عند قلبه زاجرا وعند همه آمرا، امرئ أخذ بعنان عمله كما يأخذ بعنان جمله، فإن قاده إلى طاعة الله تبعه وإن قاده إلى معصية الله كف، امرئ عقل عن الله أمره، امرئ فاق واستفاق وأبغض المعاصي والنفاق، وكان إلى ما عند الله بالأشواق، فما زال يقول امرئ امرئ حتى بكى مالك بن دينار، وقال شريك القاضي، عن عبد الملك بن عمير قال، قال الحجاج يوما من كان له بلاء أعطيناه على قدره، فقام رجل فقال أعطني فإني قتلت الحسين فقال وكيف قتلته؟ قال دسرته بالرمح دسرا وهبرته بالسيف هبرا وما أشركت معي في قتله أحدا، فقال اذهب فوالله لا تجتمع أنت وهو في موضع واحد، ولم يعطه شيئا، ومن أقواله قال، إن الله خلق آدم وذريته من الأرض فأمشاهم على ظهرها فأكلوا ثمارها.
وشربوا أنهارها وهتكوها بالمساحي والمرور، ثم أدال الله الأرض منهم فردهم إليها، فأكلت لحومهم كما أكلوا ثمارها، وشربت دماءهم كما شربوا أنهارها، وقطعتهم في جوفها، وفرقت أوصالهم كما هتكوها بالمساحي والمرور، ومن أجل وأفضل الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف، فقام “نصر بن عاصم” بهذه المهمة العظيمة، ونسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار، حيث كان الحجاج بن يوسف الثقفي.
يرى بتكفير الخارج على السلطان، وطرده من الملة، وفي ذلك قال مخاطبا قطري بن الفجاءة في رسالة أرسلها له “فإنك قد مرقت من الدين مروق السهم من الرمية” وقيل بعد موته أن رجلا رفض الصلاة خلف إمامه، وقال ما أصلي خلف خارجي، فقال له أحد أئمة البصرة إنما تصلي لله ليس له، وإنما كنا نصلي خلف الحروري الأزرقي، قال و من ذاك؟ قال الحجاج بن يوسف، فإنك إن خالفته سماك كافرا وأخرجك من الملة، فذاك مذهب الحرورية الأزارقة، وبالغ الحجاج في شأن الطاعة، و قمع همم الناس، ونفوسهم، وغاياتهم، فوافق الأمويين في أعمالهم، وأذهب بين الناس أن الخلافة اصطفاء من الله، فلا يجوز الخروج على السلطان، وأما من خرج فقد حل دمه، وسُمي كافرا، وقد شاع مذهب الحجاج في تكفير الخارج على السلطان بعده شيوعا كبيرا.