الدكرورى يكتب عن القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي “جزء 8”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي “جزء 8”
ونكمل الجزء الثامن مع القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي، وقالوا فيه الكثير حتى لبسوا سيرته بالخوارق، والأمور المغلوطة، وأمعنوا في تقبيحه، والنيل منه، حتى لقد صوروه شيطانا، وقيل أنه قد أمر الخليفة سليمان بن عبد الملك عامله على الطائف بقتل آل أبي عقيل، وهم عشيرة الحجاج الأقربون، ظلما، لأنهم من آله، وقيل أنه أمر عمر بن عبد العزيز بنفي من بقي منهم و تشريدهم جزاء لأفعال الحجاج، وانتقاما منه بعد موته، ولم يُنسي الحجاج وأفعاله بسهولة، فقيل أن رجلا حلف بالطلاق أن الحجاج في النار، فلما أتى امرأته امتنعت عنه، فسأل الحسن البصري أن يفتيه في أمره فقال له إذا لم يكن الحجاج من أهل النار، فما يضيرك أن تكون مع امرأتك على زنى، وكذلك أمر سليمان بن عبد الملك بذم الحجاج وسبه على المنابر.
فذمه كل الولاة إلا خالد بن عبد الله القسري، فأرسل إليه سليمان يأمره بذلك، فتكلم على المنبر و قال إن إبليس كان من الملائكة ففسق، وكذلك الحجاج، وكان الحجاج بن يوسف كان له دور في إقناع عبدالملك بن مروان بعدم مبايعة الصحابي الجليل عبدالله بن الزبير بالخلافة بل الدخول في صراع معه انتهي باستشهاد الصحابي الجليل عام اثنين وسبعين هجرية بعد قذف الكعبة بالمنجنيق وصلب الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير ثلاثة أيام، وبعد أن صلب الصحابي الجليل أرسل إلى أمه السيدة “أسماء بنت أبي بكر” رضي الله عنهما وهي التي قدرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأطلق عليها صلي الله عليه وسلم ذات النطاقين، وذلك لدورها المشهود في هجرة النبي صلي الله عليه وسلم الي المدينة وتعرضها للإيذاء من سادة قريش وعلي رأسهم ابي جهل.
فضلا عن كونها شقيقة أم المؤمنين السيدة عائشة وزوجة الصحابي الجليل المبشر بالجنة الزبير ابن العوام وام اول مولود في المدينة الصحابي الجليل عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، وبعد ان انتهي الحجاج من صلب الصحابي الجليل بن الزبير أرسل إلي أمه السيدة أسماء بنت أبي بكر أن تأتيه، فرفضت، فأرسل إليها مهددا لتأتين أو لأبعثن من يسحبك بقرونك، فأرسلت إليه والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، فلم يجد الحجاج أمامه ونظرا لصلابة الصحابية الجليلة إلا أن رضخ لها، وانطلق حتى دخل عليها، موجها حديثه لها أرأيت كيف نصر الله الحق وأظهره؟ قالت “ربما أديل الباطل على الحق وأهله” وهنا تتجلى صلابة السيدة أسماء بنت أبو بكر، ولم تفلح في إثناء الحجاج عن غيه حيث واصل تساؤلاته .
كيف رأيتني صنعت بعدو الله فكان رد السيده أسماء بنت الصديق أراك أفسدت على ابني دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد تجاهلت السيدة أسماء سطوة الحجاج ووجهت حديثها إليه قائلا وقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، فقد كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم من النمل ونطاق لا بد للنساء منه وهنا صمت الحجاج ولم يحرك ساكنا بل حاول تجاوز الأمر بالهجوم علي ابن الزبير رضي الله عنهما، وقد استمر الحجاج في مجادلة الصحابية الجليله واخذ يسرد التهم ضد ابنها سيدنا عبدالله بن الزبير قائلا إن ابنك ألحد في هذا البيت، وقد قال الله ” ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم” وقد أذاقه الله ذاك العذاب الأليم، فندت اتهامات الحجاج قائلة كذبت، كان وتقصد ابنها عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما.
أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة، وسر به رسول الله صل الله عليه وسلم، وحنكه بيده، وكبر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحا به، وقد أخذت السيدة اسماء تعدد مآثر ابنها الصحابي الجليل قائلة كان بارا بأبوية صواما قواما بكتاب الله، معظما لحرم الله، مبغضا لمن يعصي الله، أما إن رسول الله صل الله عليه وسلم حدثني أن في ثقيف كذَّابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه “تعني المختار بن عبيد الثقفي” وأما المبير فلا أخالك إلا إياه، وتقصد ” الحجاج بن يوسف الثقفى” وبقي ميراث الحجاج حيا إلى الآن، فلا يزال موضع حرب وتطاحن بين المختلفين، ولا تزال الأخبار المختلقة تخالط سيرته، ولا زال يُلعن، و يُسب، ويراه الباحثون في التاريخ السياسي نموذجا للطاغية الظالم سفاك الدماء.
ويرى المؤرخون في هذا أنه كان يتشبه بمن يدعى زياد بن أبيه في حزمه، فأبار وأهلك، وعلى الرغم من قيامه ببعض الأعمال التي تؤخذ عليه إلا أنه كان حريصا على الجهاد، وفتح البلاد، وتميز بإعطائه المال إلى أهل القرآن، إذ كان يُنفق الكثير من أمواله على حفظة القرآن، وعندما مات لم يُخلف وراءه إلا ثلاثة مائة درهم.