الخليفة العباسي عبد الله المأمون “جزء 4” 

الدكرورى يكتب عن الخليفة العباسي عبد الله المأمون “جزء 4” 

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

الخليفة العباسي عبد الله المأمون “جزء 4”

ونكمل الجزء الرابع مع الخليفة العباسي عبد الله المأمون، وقد اختلفت تلك الثورات فى مدى عنفها وشدتها، واستطاع المأمون القضاء عليها جميعا، ويذكر أن أولى الثورات بدأت منذ بدايات عهد المأمون، أثناء إقامته في مرو بخراسان، ذلك أن تحيزه للفرس أثار غضب أهل العراق من بني هاشم، لهذا كانت أول ثورة قامت ضد المأمون كانت ثورة عربية وكان مركزها مدينة الكوفة بالعراق، وكان من أخطر هذه الثورات جميعا ثورة مصر، ذلك أن جند مصر كانوا قد اشتركوا فى خلافات الأمين والمأمون، وكل فريق فى جانب، وبعد أن انتهى الخلاف بفوز المأمون، ظل الخلاف قائمًا بين جند مصر، وأصبح موضع الخلاف التنافس على خيرات مصر، فكان الجند يجمعون الخراج لا ليرسل للخليفة، بل ليحتفظوا به لأنفسهم.

وقد قامت جيوش المأمون كثيرا بمحاربتهم مع أهل مصر الذين شاركوا فى هذه الثورات، ولكن هذه الثورات ما لبثت أن أشعلت من جديد حتى أرسل إليهم جيشا ضخما، فاستطاع القضاء على الثورة نهائيا، كما تمكن قائده طاهر بن الحسين من القضاء على ثورات العرب أنصار الأمين، وقد نجح المأمون بتوطيد سلطانه والقضاء على معظم الثورات إلا ثورة الزط في جنوبي العراق، وثورة بابك الخرمي التي استفحل أمرها في عهد المأمون ولم يتم القضاء عليها إلا في خلافة المعتصم بالله، وكانت سياسة المأمون نحو الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وتشمل وسط أوروبا وإيطاليا، استمرارا لسياسة والده الرشيد التي تقوم على المصادقة، وعلى الرغم من أن وفاة شارلمان حدثت في العام التالي من خلافة المأمون سنة مائه وتسع وتسعين من الهجرة.

إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار سياسة التفاهم مع ولده لويس التقي، إذ تشير المصادر الأوروبية إلى أن الإمبراطور لويس أرسل سفارة إلى البلاط العباسي في بغداد في عهد المأمون سنة مائتين وستة عشر من الهجره، وأما عن علاقة المأمون بالإمبراطورية البيزنطية وتشمل شرق أوروبا والقسطنطينية، فكانت سياسة عدائية على غرار سياسة آبائه من قبل، وكان المأمون يكتب إلى عمّاله على خراسان فى غزو من لم يكن على الطاعة والإسلام من أهل بلاد ما وراء النهر، ولم يغفل المأمون عن قتال الروم، بل غزاهم أكثر من مرة، فقاد المأمون في السنوات الأخيرة من حياته جيوشه بنفسه وتوغل في الأراضي البيزنطية في آسيا الصغرى مابين سنة مائتين وأربعة عشر من الهجره، الى سنة مائتين وثمانية عشر من الهجره، وجعل معظم إقامته في الشام.

متخذا دير مُران في دمشق مقرا له، وأهم ما تميزت به حروب المأمون مع البيزنطيين اتخاذه موقف الهجوم، وتغلغله في الأراضي البيزنطية، وفي حملته الثالثة تحقق حلم المأمون بالاستيلاء على حصن لؤلؤة الذي يسيطر على مفارق الطرق، والخليفه المأمون وقد قيل عنه، أن المأمون كان من عظماء الخلفاء ومن عقلاء الرجال وله اختراعات كثيرة في مملكته، ومنها أول من لخص منهم علوم الحكمة وحصل كتبها وأمر بنقلها إلى العربية وشهّرها، وحل إقليدس ونظر في علوم الأوائل وتكلم في الطب وقرب أهل الحكمة، وقد تتلمذ المأمون على شيوخ الأدب واللغة في عصره، أمثال سيبويه واليزيدي ويحيى بن المبارك، وقد ذكر ثمامة بن أشرس النميري ” ما رأيت رجلا أبلغ من جعفر بن يحيى والمأمون” وقد خاطبه يحيى بن أكثم قائلا.

” يا أمير المؤمنين إن خضنا في الطب كنت جالينوس في معرفته، أو في النجوم كنت كهرمس في حسابه، أو في الفقه كنت مثل علي بن أبي طالب رضى الله عنه في علمه، ويعلق الأستاذ موير عن عصر المأمون بقوله ” وقصارى القول إن عصر خلافته كان بوجهه الأجمل من أزهى عصور التاريخ الإسلامي، لذا كان عصر المأمون عصر العلم في الإسلام، ولهذا قيل لو لم يكن المأمون خليفة، لصار أحد علماء عصره، وكان عصر المأمون من أزهى عصور الثقافة العربية، وقد أبدى المأمون اهتمامه بجمع تراث الحضارات القديمة وخاصة الحضارة اليونانية، وقد أرسل بعثات من العلماء إلى القسطنطينية وقبرص للبحث عن نفائس الكتب اليونانية، ونقلها إلى بيت الحكمة في بغداد، وكان اهتمام المأمون ببيت الحكمة ببغداد كبيرا، وهو مجمع علمى، ومكتبة عامة.