الدكرورى يكتب عن الخليفة العباسي المهدي بالله “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفة العباسي المهدي بالله “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع الخليفة العباسي المهدي بالله، وبويع للمهدي من بعد أبيه في سنة مائة وسبعه وأربعين من الهجرة، وقد اختلف في السبب الذي من أجله خلع عيسى بن موسى نفسه، وقد بويع له بالخلافة بعهد من أبيه، وقد قال السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء ووصل إليه المهدي، خبر وفاة والده وهو ببغداد، فخطب في الناس فقال إن أمير المؤمنين عبد دعى فأجاب، وأمر فأطاع واغرورقت عيناه فقال، قد بكى رسول الله صلي الله عليه وسلم عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيما وقلدت جسيما، فعند الله أحتسب أميرالمؤمنين وبه أستعين على خلافة المسلمين، أيها الناس أسروا مثل ما تعلنون من طاعتنا نهبكم العافية، وتحمدوا العاقبة، واخفضوا جناح الطاعة لمن نشر معدلته فيكم وطوى الإصر عنكم، وأهال عليكم السلامة من حيث رآه الله.
مقدما على ذلك، والله لأفنين عمري بين عقوبتكم والإحسان إليكم، وفي سنة مائة وتسعة وخمسين من الهجره، خرج المقنع الخراساني بخرسان وكان رجلا أعورا، قصيرا، من أهل مرو ويسمى حكيما، وكان اتخد وجها من ذهب فجعله على وجهه لئلا يُرى، فسُمي المقنع وادعى الألوهية، وتابعه خلق من ضلال الناس، فسار إليه معاذ بن مسلم وجماعة من القادة والعساكر وهزموه، وقد جمع المهدي جيشا كثيفا، وبعد أن جمع جيشا كثيرا، فقد أمّر عليهم عبد الملك بن شهاب المسمعي في البحر، وأرسلهم إلى بلاد الهند، فلما وصلوا إربد حاصروها وضيقوا على أهلها الحصار حتى فتحها الله عليهم، واستشهد في هذه المعركة من المسلمين بضعة وعشرون رجلا وكان ذلك سنة مائة وتسعة وخمسين من الهجره، في سنة مائة وواحد وستين من الهجرة.
قد عبر عبد الرحمن بن حبيب الفهري، المعروف بالصقلبي، من إفريقية إلى الأندلس محاربا لعبد الرحمن الداخل الأموي ليدخل في طاعة الدولة العباسية، وكان عبوره إلى تدمير، وكاتب سليمان بن يقظان بالدخول في أمره ومحاربة عبد الرحمن الأموي، والدعاء للمهدي، وكان سليمان ببرشلونة، فلم يجبه، فاغتاظ منه فقصد بلده فهزمه سليمان فعاد الصقلبي إلى تدمير، وسار إليه عبد الرحمن الأموي وضيق عليه وأحرق السفن فقصد الصقلبي جبلا منيعا بناحية بلنسية فبذل الأموي ألف دينار لمن يأتيه برأسه، فاغتاله رجل من البربر وحمل رأسه إلى عبد الرحمن الأموي فأعطاه ألف دينار، وفي سنة مائة وستين من الهجره، خرج يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرم بخراسان هو ومن معه على المهدي، واجتمع معه بشر كثير.
فتوجه إليه يزيد بن مزيد الشيباني واقتتلا، وفي النهاية انتصر يزيد وبعث به وأصحابه إلى المهدي فقتلهم المهدي وصلبهم، وكان قد تغلب على بوشنج وعليها مصعيب بن زريق فهرب منها، وتغلب على مرو والروذ والطالقان والجوزان، وفي سنة سنة مائة وثلاثه وستين من الهجره، خرج المهدي لمحاربة الروم فعسكر بالبردان، وجمع العسكر من خراسان وغيرها، فاستخلف على بغداد ابنه الهادي واصطحب معه ابنه الرشيد، فعبر الفرات إلى حلب، وجمع من بتلك الناحية من الزنادقة، فقتلهم ومزق كتبهم، فسار عنها مشيعا لابنه الرشيد، فسار بمن معه فنزلوا حصن سمالوا، فحصروه ثمانية وثلاثين يوما، حتى فتحه الله عليهم وفتحوا فتوحات كثيرة، وفي سنة سنة مائه وخمسه وستين من الهجرة، وقد سيّر المهدي ابنه الرشيد لغزو الروم.
في خمسة وتسعين ألفا وتسعمائة وثلاثة وتسعين رجلا، فلقيه عسكر نقيض، قومس القوامسة فبارزه يزيد بن مزيد، فغلبه يزيد وهزمت الروم، وسار إلى الدمستق وهو دومستيكوس، وهو صاحب المسالح، فحمل لهم مائة ألف دينار، وتوجّه الرشيد لمهاجمة عاصمة البيزنطيين، فبلغ خليج القسطنطينية، وصاحب الروم يومئذ الإمبراطورة أيرين أثينا، فجرى صلح بينها وبين الرشيد، على أن تقيم له الأدلاء والأسواق في الطريق، ومقدار الفدية سبعون ألف دينار كل سنة، فرجع عنها، وقد ذكر ابن كثير، أن المهدي قد ألح على عيسي بن موسي أن يخلع نفسه وهو مع كل ذلك يمتنع، وهو مقيم بالكوفة، فبعث إليه المهدي أحد القادة الكبار وهو أبو هريرة محمد بن فروخ في ألف من أصحابه لإحضاره إليه، وأمر كل واحد منهم أن يحمل طبلا.