الدكروري يكتب عن موسم الطاعات والخيرات ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
موسم الطاعات والخيرات ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع موسم الطاعات والخيرات، ولقد خلقنا الله لعبادته، فقال تعالى فى سورة الذاريات ” وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون” أى بمعنى ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها، لآمرهم وأنهاهم، معدين للعبادة، ثم منهم من يتأتى منه ذلك، ومنهم من يأبى، فمن قام بعبادة الله، فقد حقق الغاية من وجوده، ومن قصر فيها، أو نكل عنها، فقد أبطل غاية وجوده، وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد، خاوية من المعنى، والله تعالى خلق الزمان والمكان، وهو الذى يفضل منه ما يشاء ويختار، فقال تعالى فى سورة القصص ” وربك يخلق ما يشاء ويختار” أى هو سبحانه المتفرد بالاختيار والتفضيل فى الأزمان والأماكن، ولذلك فليس من حق العباد أن يفضلوا زمنا على زمن بلا دليل شرعى، والله تعالى جعل لنا مواسم الخيرات لنعبده فيها.
وأوقات الطاعات لنشكره على نعمه فيها، فيا أيها الناس إحذروا من التفريط فى هذا الشهر العظيم فأيامه معدودة وساعاته محدودة ولا تكن من أولئك الذين جعلوا رمضان موسم للهو والعصيان، إحذروا من الغفلة والإعراض عن الرحمات والنفحات الإلهية فقال تعالى “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربى لما حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى” فكم تتألم النفوس المؤمنة وتتقطع حسرة على ما تراه من شباب المسلمين الذين اجتمعوا على اللهو وقتل الأوقات فى ليالى رمضان الفاضلة كم من الحرمات لله تنتهك ومعاصى يجاهر بها في ليالى رمضان المباركة، فيا خسارة المفرطين ويا ندامتهم يوم وقوفهم بين يدى رب العالمين عند سؤاله لهم ” ماذا أجبتم المرسلين”
فاجتهد أيها الأخ الكريم فى اغتنام أيام العمر ولياليه، واتقوا الله وتزودوا في هذه الحياة فكم فى المقابر من أناس صاموا معنا رمضان في أعوام ماضية وهم الآن تحت الثرى رهناء الأعمال واحمدوا الله أن أمهلكم لتدركوا هذا الموسم العظيم فاستعدوا له بالتوبة النصوح والنية الصادقة على استغلاله واغتنامه بالأعمال الصالحة ومن هذه الأعمال، الصيام فقال صلى الله عليه وسلم “كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف يقول الله عز وجل إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به” ومنها القيام فقد قال صلى الله عليه وسلم “من قام إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” فاحرص على صلاة الترويح مع الإمام فقد قال صلى الله عليه وسلم “من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة” وكان السلف يعتمدون على العصي من طول القيام وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر.
ومنها الصدقة فقد قال صلى الله عليه وسلم “أفضل الصدقة صدقة فى رمضان” ومن الصدقة إطعام الطعام فقد جاء فى الحديث “أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظماء سقاه الله من الرحيق المختوم” ومن الصدقة تفطير الصائمين ” ومن فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء” ومن الأعمال الاجتهاد في قراءة القرآن فأكثروا من قراءته بتدبر وخشوع وقد كان للشافعى رحمه الله في رمضان ستون ختمه، وعمرة فى رمضان تعدل حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأكثروا من الاستغفار والدعاء خاصة عند الإفطار وفى الثلث الأخير من الليل، ومن الأعمال الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان تحريا لليلة القدر وهي الخلوة الشرعية فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله
وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه فما بقى له سوى الله وما يرضيه، ومن الأعمال الدعاء خاصة فى هذه الأيام الحرجة والظروف والأزمات القاسية التى تمر بها الأمة الإسلامية فى أقطار الأرض فعلى المسلم أن يكثر من الدعاء وأن يلح على ربه ويتحين مواطن وأوقات الإجابة وتأمل ذكر الله عز وجل للدعاء في وسط آيات الصوم وهو قوله تعالى ” وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان” فعليكم بالصبر والمصابرة والجد والمثارة فعند الصباح يحمد القوم السرى، وتذكروا أن هذه الدنيا أيام معدودة وأنفاس محدودة ولا يدرى متى الرحيل فاستعد، وتزود، مادام فى العمر فسحة وعش يومك ولا يطول أملك فإن الموت يأتي على غرة، فاعمل ما يجلب لك فى ذلك اليوم المسرة، وتذكر بأن التعب والنصب يزول ويثبت عند الله سبحانه وتعالى الأجر.