موسم الطاعات والخيرات ” جزء 10″

الدكروري يكتب عن موسم الطاعات والخيرات ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

موسم الطاعات والخيرات ” جزء 10″

ونكمل الجزء العاشر مع موسم الطاعات والخيرات، فينبغى أن يكون هذا الشهر فرصة لتربية أنفسنا، وأولادنا، وأهلينا على طاعة الله تعالى، وليس المطلوب أن يفاجئ الأئمة بظهور الناس بكثرة في رمضان في أوله فقط، فلقد كان السلف يجتهدون في شعبان أيضا، والتوبة لا تؤخر إلى رمضان، بل الآن حتى قبل دخول رمضان، وتعظم في رمضان، والدعاء الآن، ويعظم إذا دخل رمضان، والقرآن الآن، ويكثر إذا دخل رمضان، فإنها الفرصة المواتية لكل مسلم، والدنيا فرص إن اغتنمها المرء بلغ منتهى الآمال، وإن فرط فيها أو فوتها فهو المغبون الخاسر، إنها فرصة من فرص الآخرة من تعرض لنفحاتها وأحسن التعامل معها بصدق غُفر ذنبه وتفتحُ له أبواب الجنان، وكم تمر بنا الفرص، ونحن لا نشعر، الصلاة فرصة يومية، الثلث الأخير من الليل.

ساعة الإجابة فى يوم الجمعة، الصيام، ليلة القدر، الست من شوال، عشر ذى الحجة، يوم عرفة، الحج، يوم عاشوراء، وهذه فرص وما أعظمها، الواحدة منها تحمل فى طياتها السعادة والقبول، فرص من المنعم المتفضل، فأين الذين يسارعون فى الخيرات، وقد كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ويدعونه ستة أخرى أن يتقبله منهم، إن إكرامنا لضيف بهذه المثابة يكون بالجد والاجتهاد، وهذا هو الهدى النبوى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل يكون أجود بالخير من الريح المرسلة” رواه البخارى، وهكذا كان الصحابة والتابعون والصالحون على هذا المنوال في الاقبال في رمضان على القرآن والمساجد والبر والدعاء.

وإن هناك أقوام لا يعرفون الله إلا في رمضان، وهذه مخادعة وتسويل من الشيطان، وأقوام تعساء بلداء يستقبلونه بالضجر والحرج، على أنه شهر جوع نهارى وشبع ليلى فيحسون بالحرمان فلا يفرحون بقدومه، فإن رمضان فرصة وأى فرصة لتصحيح المسار، وبداية النهاية لكل شيء يبعد عن الله، خصوصا والنفوس مهيأة للخيرات، مقبلة على التراويح والقنوت والدعوات، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أن من نعم الله علينا أن مدّ فى أعمارنا فأدركنا شهر رمضان، فكم غيب الموت من صاحب ووارى الثرى من حبيب، وكم من إنسان أمل صيامه وقيامه فخانه أمله وصار قبله إلى القبر وظلمته، فبادروا وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، فإن الفرصة تعنى مجموعةً من الظروف الحياتية المستقبلية المحببة للنفس، وتقدم لنا فوائد شخصية معينة فى ظروف مهيئة .

ومساعدة لتحقيق أهداف شخصية منشودة، واغتنام الفرص فى رمضان له بُعد مغاير، ومعنى عميق، يحتاج منا إلى سرعة فهمه واستنتاجه، وتتمحور بعض هذه الفرص في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف” رواه ابن ماجة، لذا فإن أية فرص ميسرة لنا، وتحقق المعنى المطلوب لهذا الحديث العظيم، سوف يحاول إبليس عليه لعنة الله جاهدا ألا يجعلنا نراها، ويشغلنا عنها أيضا، وإذا رأيناها، فسيقاتل حتى لا نستثمرها الاستثمار الأفضل، ويحاول بكل إمكاناته الخارقة ألا نستفيد منها بصورة فاعلة، وإن استفدنا منها، فسوف يلهينا بنقلها للآخرين، وهكذا دواليك دون ملل أو كلل.

فكم من فرصة مضت مع أيام العمر ما لفواتها ثمن، فرصة الشباب حين لا تغتنم قبل الهرم، وفرصة الصحة حين لا تغتنم قبل المرض، وفرصة الغنى حين لا تغتنم قبل الفقر، وفرصة الفراغ حين تضيع قبل الشغل، وأعظم الفرص، فرصة الحياة حين لا تنتهز قبل الموت، وإن اغتنام هذه الفرص لا يكون إلا بالبدار إلى الخير والمسارعة إلى البر، وهذا دليل على قوة إرادة المغتنم لها وعزمه الموفق ومن فرح بالبطالة جَبن عن العمل، فإن هذه الدنيا متاع زائل كمائدة شبعها قصير، وجوعها طويل، فمن اشتغل بها خسرها وخسر الباقية، وعندما يمضى رمضان وينصرم يخلف وراءه الناس على أنواع، نوع ظن أن الله لا يُعبد إلا فى رمضان، فهاجر بيوت الله، وانقطع عن الطاعات، وانغمس فى الأهواء والشهوات، وبئس القوم لا يعرفون الله إلا فى رمضان.