الدكروري يكتب عن أحوال الصائمين في شهر الصبر ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
أحوال الصائمين في شهر الصبر ” جزء 1″
إن الناس في هذه الدنيا علي أحوال كثيرة فمنهم ضرب حملوا أنفسهم ما لا تطيق، فأثقلوا عليها فوق ما أراد الله منهم، جاهلين أن الطريق شاق لا يقطع إلا بالرفق واللطف فكانوا كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق” وقال ” فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ” وقال ” يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وكان أحب الأعمال إليه ما دووم عليه وإن قل” أما الصنف الثالث فهم المؤمنون الصادقون المُلهمون، الذين جمعوا بين الخوف الرجاء، والرغبة والرهبة، وتوسطوا واعتدلوا يوم شذ غيرهم واغتر، إنهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات عرفوا الطريق، وأنار لهم الله تعالى بصيرتهم على هدى منه ليسلكوا مسالك النجاة، وإن المؤمنون الصادقون المُلهمون.
الذين جمعوا بين الخوف الرجاء، والرغبة والرهبة، وتوسطوا واعتدلوا يوم شذ غيرهم واغتر، إنهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات عرفوا الطريق، وأنار لهم الله تعالى بصيرتهم على هدى منه ليسلكوا مسالك النجاة، فيعبدون ربهم فى كل الشهور، معتبرين رمضان محطة اختصها الله تعالى لزيادة الفضل، ومضاعفة الأجر، وهم على يقين أن الثوابت من العبادات لا تتغير بعد رمضان كالصلاة والزكاة والحج وصوم النوافل والصدقات والدعاء وسائر أنواع البر والحسنات، ويبقى الأمر الثابت من الله تعالى هو ثابت التوبة، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة النور ” وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون” ويؤكد ذلك فعل المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم فيقول ” يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة” رواه مسلم.
والكيّس العاقل من انتفع بما سمع وعمل بما عمل واستقام كما أمر، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم”إن ربكم يقول كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به” وفي رواية ابن خزيمة “كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به” ويكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة، فتكون الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد، فإن الصيام من الصبر، والصبر ثلاثة أنواع صبر على طاعة الله, وصبر على ما حرّم الله, وصبر على الأقدار المؤلمة وتجتمع الثلاثة في الصوم، فإن فيه صبرا على طاعة الله، وصبرا على ما حرّم الله على الصائم من شهوات.
وصبرا على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع، والعطش، وضعف النفس والبدن، وهذا الألم الناشئ من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه، وخصوصا ألم الصيام لأنه من الصبر ولقد قال تعالى فى سورة الزمر ” إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير خساب” فالصوم مدرسة يتعلم فيها الإنسان الصبر، والصبر كما نعلم أنه من أفضل الأخلاق التي يتخلق بها المسلم، وقد أمر الله تعالى المسلمين بالصبر في كل الأوقات، وعلى أى الأحوال، كما قال تعالى فى سورة البقرة ” واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين” وقد فسر الصبر بالصوم لأن الصبر فى الأصل هو الحبس، من ذلك قولهم “مات فلان صبرا” أى محبوسا فى قيده، ففى شهر رمضان حبس النفس عن المأكل، والمشرب، والملذات، ولذلك سمّاه النبى صلى الله عليه وسلم بشهر الصبر.
فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر” وفى قوله تعالى عن الصيام “أنا أجزى به” يدل على أن الكريم إذا قال أنا أتولى الإعطاء بنفسى، كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه، ويجب علينا فى شهر بداية شهر رمضان تهيئة مَن في البيت من زوجة وأولاد لهذا الشهر الكريم، وكيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم، ووضع برنامج لذلك، وممارسة بعض من التهيئة الإيمانية السابقة مع الأسرة، وعقد لقاء إيماني مع الأسرة يكون يوميا بقدر المستطاع، وأيضا تهيئة العزيمة بالعزم على فتح صفحة جديدة مع الله، وجعل أيام رمضان غير أيامنا العادية، وعمارة بيوت الله، وشهود الصلوات كلها في جماعة، وإحياء ما مات من سنن العبادات، مثل المكث في المسجد بعد الفجر حتى شروق الشمس.