الدكروري يكتب عن أحوال الصائمين في شهر الصبر ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
أحوال الصائمين في شهر الصبر ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع أحوال الصائمين في شهر الصبر، وكما يجب المبادرة إلى الصفوف الأولى وقبل الأذان بنية الاعتكاف، وغير ذلك، ونظافة الصوم مما يمكن أن يلحق به من اللغو والرفث، وسلامة الصدر، والعمل الصالح فى رمضان، واستحضار أكثر من نية من الآن، ومن تلك النيات هى نية التوبة إلى الله، ونية فتح صفحة جديدة مع الله، ونية تصحيح السلوك وتقويم الأخلاق، ونية الصوم الخالص لله، ونية ختم القرآن أكثر من مرة، ونية قيام الليل والتهجد، ونية الإكثار من النوافل، ونية طلب العلم، ونية نشر الدعوة بين الناس، ونية السعى إلى قضاء حوائج الناس، ونية العمل لدين الله ونصرته، ونية العمرة، ونية الجهاد بالمال، وغير ذلك من اعمال الخير والبر، وأيضا هناك التهيئة الجهادية وهي تحقيق معنى مجاهدا لنفسه وذلك من خلال منع النفس.
من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش، والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط فى الكماليات من مأكل ومشرب وملبس، كما يفعل العامة عند قدوم رمضان، والتدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد النفس فلا تطغى، وجهاد الشيطان فلا يمرح، وأيضا حمل النفس على أن تعيش حياة المجاهدين، وتدريبها على قوة التحمل والصبر على المشاق، من خلال التربية الجهادية المعهودة، وأيضا عمل ورد محاسبة يومى على بنود التهيئة الرمضانية، وقد قال صلى الله عليه وسلم “كل لهو باطل واستثنى منه أمورا من المباحات، من ملاعبة الزوجة، والرماية، وتأديب الفرس، واللهو الباطل ما أشغل عن ذكر الله، وقد أعد الله تعالى لكل طاعة يقوم به الإنسان جزاء، وجزاء الصوم الجنة.
فقال صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” ومما روى في فضل الصيام عن سعيد بن أوس الأنصارى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى مناد ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة” رواه الطبرانى فى الكبير وضعفه الألبانى، وهكذا فإن الصوم عبادة من أجلّ العبادات، وقربة من أشرف القربات، و طاعة مباركة، لها آثارها العظيمة والكثيرة، والعاجلة والآجلة، من تزكية النفوس، وإصلاح القلوب.
وحفظ الجوارح من الفتن والشرور، وتهذيب الأخلاق، وفيها من الإعانة على تحصيل الأجور العظيمة، وتكفير السيئات المهلكة، والفوز بأعلى الدرجات، وإن التكاليف الشرعية شاقة على الأبدان، مفرحة للنفوس وهذه القاعدة تنطبق على كل العبادات، بل على كل الطاعات، بل على كل استجابة لله، والعبادات ذات كلفة، سميت تكاليف لأنها في الأصل تتناقض مع الطبع، فالإنسان يحب أن يبقى نائما، والتكليف أن يستيقظ، ويحب أن يمتع عينيه بمحاسن النساء، والتكليف أن يغض البصر، ويحب أن يخوض فى فضائح الناس، والتكليف أن يسكت، ويحب أن يأخذ المال، والتكليف أن ينفقه، فالتكاليف كلها مناقضة للطبع، لكنها مطابقة للفطرة، فترتاح نفسك إذا أديت الفرائض، وترتاح نفسك إذا كنت صادقا، وترتاح نفسك إذا كنت أمينا، ترتاح نفسك إذا أعنت أخاك.
وإذا رحمته، وإذا يسرت عليه، فكل أوامر الدين بعباداته ومعاملاته وفضائله إن طبقتها ارتاحت نفسك، فقال تعالى كما جاء فى سورة الروم ” فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها” أى هذا المنهج الإلهى يتطابق بأدق تفاصيله مع بنية النفس، فإن التكاليف تتناقض مع جسم الإنسان، مع طبعه، مع غرائزه، مع شهواته، لكنها تتوافق مع نفسه، ذاته التي بين جنبيه، إذن الطاعات فيها مشقة أحيانا، فيها تكليف، فيها تناقض مع جسم الإنسان، إن الطاعات تنقضى مشقتها، ويبقى أجرها، وإن المعاصى تنقضى لذتها، و يبقى إثمها فالبطل ليس الذى يفرح أولا، بل الذى يفرح آخرا، فليست البطولة أن تضحك أولا، وقد قيل من ضحك أولا ضحك قليلا، و من ضحك آخرا ضحك كثيرا، كما قال تعالى فى يورة المطففين” فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون”