الدكروري يكتب عن أحوال الصائمين في شهر الصبر ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
أحوال الصائمين في شهر الصبر ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع أحوال الصائمين في شهر الصبر، فأنت حينما تواجه عدوا متغطرسا قويا جبارا حاقدا يملك أسلحة لا تملكها، ويتمنى تدميرك، يقول الله لك كما جاء فى سورة آل عمران ” وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا” ولقد بيّن الله تعالى لنا أن الصبر مع الطاعة طريق النصر، ويكاد الإيمان أن يكون نصفين، فنصف صبر، و نصف شكر، والذى لا يصبر لا يمكن أن يكون شيئا مذكورا فى الحياة، فإن الصبر ترقية للنفس، والصبر يعنى أن مبدأك أعظم من حاجاتك، ودينك أسمى من رغباتك، فالصبر يعني أن تدع شيئا خسيسا من أجل شيء نفيس، وهذا هو الصبر، لذلك شهر الصوم شهر الصبر، فأنت فى رمضان تصبر على ترك الطعام والشراب، وعلى ترك اللقاء الزوجى، فى نهار رمضان فقط، فهذا الصبر يجب أن تستخدمه.
في مجالات لا تعد و لا تحصى، في عملك ينبغى أن تصبر، فى دراستك ينبغي أن تصبر، في مواجهة العدو ينبغى أن تصبر، في أن تنفق من دخلك المحدود ينبغي أن تصبر، و ألا تمد يدك لمال حرام، فالصبر مدرسة، كان رمضان التعليم الأساسى فيها، فشهر رمضان التعليم الأساسى لمدرسة لها درجات عالية جدا، أنت حينما تثبت لنفسك أولا، و لله ثانيا أنه يمكن أن تدع شهوتك من أجل هدف ما فأنت قد وضعت رجلك على طريق البطولة، فرمضان شهر الصبر، و كيف لو أن عدوا يتحدانا، ويواجهنا، ويتمنى دمارنا، يقول لك الله عز وجل كما جاء فى سورة آل عمران ” وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا” ولقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث القدسي عن ربه سبحانه وتعالى أن للصائم فرحتين فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه.
فالصائم يفرح عند فطره لأن النفس عند الفطر تتناول ما مُنعت منه وهو محبوب لها، ولأنه قد وفق لإنهاء صيامه الذي جزاؤه عند الله عظيم، ويفرح الفرحةَ الكبرى عند لقاء ربه حيث يجازيه على صيامه الجزاء الأوفى، ومن حفظ لسانه عن الفحش وقول الزور، وفرجه عما حرم الله عليه، ويده عن تعاطى عما لا يحل تعاطيه، وسمعه عن سماع ما يحرم سماعه، وبصره عما حرّم الله النظر إليه، واستعمل هذه الجوارح فيما أحلّ الله، من حفظها وحافظ عليها حتى توفاه الله، فإنه يفطر بعد صيامه هذا على ما أعده الله لمن أطاعه من النعيم المقيم، والفضل العظيم، مما لا يخطر على بال ولا يحيط به مقال، وأول ما يلاقيه من ذلك ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يجرى للمؤمن عند الانتقال، من هذه الدار إلى الدار الآخرة، حيث يأتيه فى آخر لحظاته.
فى الدنيا ملائكة كأن على وجوههم الشمس، معهم كفن من الجنة، وحنوط من الجنة، يتقدمهم ملك الموت، فيقول يا أيتها النفس الطيبة، اخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها منه، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدى فى عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإنى منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له من ربك؟ فيقول ربى الله، فيقولان له ما دينك؟ فيقول دينى الإسلام، فيقولان له ما هذا الرجل الذى بعث فيكم؟ فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان وما علمك؟ فيقول قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت، فينادى مناد من السماء أن صدق عبدى، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول أبشر بالذى يسرك، هذا يومك الذى كنت توعد، فيقول له من أنت؟ فوجهك الوجه الذى يجيء بالخير، فيقول أنا عملك الصالح، فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي” فهذا ثواب الصائمين عمّا حرّم الله الملازمين لطاعة الله المحافظين على أوامر الله، المجتنبين لنواهيه مدة حياتهم، وطيلة عمرهم.