الدكروري يكتب عن أحوال الصائمين في شهر الصبر ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
أحوال الصائمين في شهر الصبر ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع أحوال الصائمين في شهر الصبر، فإن الصيام سر بين العبد وبين ربه، لا يطلع على حقيقته إلا الله سبحانه وتعالى ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول الله تعالى “كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلى” وذلك أن بإمكان العبد أن يختفى عن الناس، ويغلق على نفسه الأبواب، ويأكل ويشرب، ثم يخرج إلى الناس، ويقول إنه صائم، ولا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى ولكن يمنعه من ذلك اطلاع الله عليه ورؤيته له، وهذا شيء يُحمد عليه الإنسان، والعبرة من ذلك أن يدرك المسلم أن الذى يُخشى إذا أخلّ الإنسان بصيامه هو الذى يخشى إذا أخلّ بصلاته وزكاته وحجه، وغير ذلك مما أوجب الله تعالى على عباده، فإذا وجد المسلم أن إخلاله بالصيام كبير وعظيم.
فيجب عليه أن يجد ويدرك أن حصول ذلك منه فى الفرائض الأخرى عظيم وكبير، والكيّس الفطن من جاهد نفسه في هذه الحياة، من جاهدها على طاعة الله، وألزمها فعل أوامره واجتناب نواهيه، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأمانى، وإن من ثمرات الصوم، هو أن يتجلى الصبر فى الإيثار والإحسان، ومعالجة آلام الآخرين ومقاسمتهم السراء والضراء، وذوق شيء مما يجدون، فإن أول هذه الثمرات هو الإحساس بجوع الفقير، فإذا ذاق الصائم تعبدا و اختيارا ألم الجوع فلقد ذاقه الفقراء عجزا واضطرارا، وإن الصائم يجوع طبعا لكن هذا الجوع باختياره، فقد اختار أن يجوع تقربا إلى الله عز وجل، وهو يذوق طعم الجوع تعبدا واختيارا، ولكن الفقير يذوق طعم الجوع عجزا واضطرارا، ولأنه عاناه الصائم وقتا محدودا فهو عند الفقراء عناء ممدود.
تصوم الصيام لوقت محدود، لكنه عند الفقراء عناء ممدود، لذلك كان الإنفاق في رمضان زكاة الفطر، هذه الزكاة لها أحكام خاصة، من ملك قوت يومه وجب عليه زكاة الفطر، فقير جدا يملك وجبة طعام واحدة عليه زكاة الفطر، أى أن الله أراد أن يذوق الفقير في العام مرة واحدة طعم الإنفاق، كأن الفقير مأمور أن ينفق، و الذى ينفق يمكن أن يأخذ الزكاة أيضا، لكن أراد الله أن نذوق طعم الإنفاق، إذا أنت حينما تجوع يجب أن تذكر أنك تجوع اختيارا وتعبدا، لكن الفقير حينما يجوع يجوع اضطرارا، وأنت حينما تجوع تجوع لوقت محدود، ولكن الفقير يجوع لوقت ممدود، لذلك ينبغى أن يثمر الصيام معاونة الآخرين، وأداء الزكاة والصلاة، وأيضا من ثمرات الصيام هو كف النفس عن حماقاتها، فإنه يتجلى الصوم بالإمساك بزمام النفس عن اندفاعاتها وحماقاتها.
فالصائم مقيد بشعور دائم يحمله على الكف عما لا يجمل، ولا يليق، تصور إنسانا يدع المباحات، فهل يعقل أن يرتكب الموبقات ؟ يختل توازنه، تدع من هو مباح لكل البشر، فهل يعقل أن تغتاب فى رمضان ؟ وهل يعقل أن تطلق البصر في رمضان ؟ وهل يعقل أن تكذب في رمضان ؟ فأنت مأمور عن ترك الطعام والشراب، و هو مباح، فلأن تترك المحرمات من باب أولى، وكأن الله يقوى إرادتك فى هذا الشهر على أن تكون ملتزما بأوامر الدين، فإن للإمام الشافعى رحمه الله تعالى مقولة رائعة، يقول ” العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق ” ونحن نسمع في بعض الأديان الوضعية الأرضية الوثنية أن هناك عبادات أيضا لكنها حركات وسكنات، وتمتمات وإيماءات، وإشارات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا معنى لها إطلاقا، حركات لا معنى لها.
ولكن العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق، أى للتنوير، فإن بالنسبة للصلاة يقول تعالى كما جاء فى سورة العنكبوت ” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” وبالنسبة للحج يقول تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما فى السماوات وما فى الأرض وأن الله بكل شئ عليم” وكذلك فإن غاية الصيام هو تحقيق التقوى، فقال تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كتب كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” وإن من ثمرات التقوى، هو التوفيق فيقول الله عز وجل، كما جاء فى سورة الطلاق ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا” وقال أبو ذر الغفارى رضي الله عنه ” جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية من سورة الطلاق” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ” قال فجعل يرددها حتى نعست فقال يا أبا ذر لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم” رواه الحاكم.