الدكروري يكتب عن الأحكام الفقهية للصيام ” جزء 12″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الأحكام الفقهية للصيام ” جزء 12″
ونكمل الجزء الثاني عشر عن الأحكام الفقهية للصيام، وإذا ابتلع ما علق بين أسنانه بغير قصد أو كان قليلا يعجز عن تمييزه ومجّه فهو تبع للريق ولا يفطر، وإن كان كثيرا يمكنه لفظه فإن لفظه فلا شيء عليه وإن ابتلعه عامدا فسد صومه، وإذا كان في لثته قروح أو دميت بالسواك فلا يجوز ابتلاع الدم وعليه إخراجه فإن دخل حلقه بغير اختياره ولا قصده فلا شيء عليه، واستنشاق بخار الماء فى مثل حال العاملين فى محطات تحلية المياه لا يضر صومهم، وإذا أخر الصائم الجنب الغسل إلى الصباح فلا يفطر بذلك ولكن عليه أن يبادر بالغسل ليدرك الصلاة، وإذا نام الصائم فاحتلم فلا يفسد صومه إجماعا، وأما عن الصيام والنسيان والخطأ، فإنه من أكل أو شرب ناسيا فقد أطعمه الله وسقاه، ولا إثم عليه ولا قضاء ولا كفارة سواء أكان صوم نافلة أو فريضة، ومن ظن أن الشمس غربت فأفطر فبان خطؤه فالجمهور على أن عليه القضاء.
والراجح أنه لا قضاء عليه، كما أن الراجح أن من تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع فبان خطؤه أنه لا قضاء عليه وإن كان الجمهور يوجبون القضاء في الحالتين، ولا فرق بين من أكل ناسيا أو جامع ناسيا، وللمسلم أن يأكل حتى يتيقن من طلوع الفجر، فإذا كان يشك هل طلع الفجر أم لا فيجوز له أن يأكل حتى يتيقن، فقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أحل الله لك الأكل والشرب ما شككت” وهو مذهب الجمهور، ورجحه شيخ الإسلام، وجاءت آثار عن الصحابة تفيد ما هو فوق ذلك، ومن تعاطى مفسدا من مفسدات الصيام جاهلا فلا يفسد صيامه إذا كان قريب عهد بإسلام، وأما غيره فلا، ومن أكره على تعاطى ما يفطر فالراجح أنه لا يفطر خلافا للجمهور، والدم الخارج من اللثة لا يفطر الصائم مالم يتعمد ابتلاعه وهو بعيد ورجوع بعض الدم إلى الحلق غلبة أى دون قصد لا يفسد الصيام.
فإن الصيام دون صلاة حسنة مع سيئة كبرى، والسيئة لا تمحو الحسنة، وأما من رأى أن ترك الصلاة كفر فلا يثاب تارك الصلاة عنده إن صام لأنه يلقى الله كافرا، والترجية هنا أولى من التيئيس، وذهب بعض السلف إلى أن معصية اللسان مثل الغيبة ومعصية الأذن مثل استماع الغيبة ومعصية العين مثل النظرة المحرمة ومعصية اليد والرجل كل ذلك من مفسدات الصيام، والجمهور على أنه لا يفطر شيء من ذلك غير أن الجميع متفق على أن المعاصى تذهب بثواب الصيام، وكفى تخويفا في هذا قوله صلى الله عليه وسلم” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه” رواه البخارى، وإن النية شرط في الصيام، والنية في الفقه غيرها فى التصوف والسلوك، فالأولى عزم القلب على الصيام أى نية العبادة والثانية إرادة ما عند الله بهذه العبادة وهو الإخلاص.
وكلاهما مطلوب من الصائم ففوات الأولى لا يكون معه صيام ، وفوات الثانية لا يكون معه ثواب وإن تحققت ألأولى، والذى رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية أن من لم يستطع أن يوقن بأن غدا من رمضان أم لا، كمن ينام قبل ظهور الهلال فإنه يكفيه أن ينوى أنه صائم غدا إذا كان غدا من رمضان وإن لم يكن من رمضان فهو مفطر، وإن تهيئة السحور نية، والتلفظ غير مطلوب، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن النية تحصل ضرورة لمن علم أن غدا من رمضان وهو يريد الصوم، ومعنى حصولها ضرورة أنها ليست شيئا أكثر من أن تعلم أن غدا من رمضان وأنت تريد الصوم، وكل المسلمين الذين يصومون يفعلون ذلك، وليس مطلوبا منهم أكثر من ذلك، والنية قبل الفجر مطلوبة في صيام شهر رمضان والنذور والكفارات وقضاء رمضان، وكل صيام واجب ولا تصلح النية في هذه الأنواع بعد الفجر.
والنية فى النافلة أوسع منها في الواجب، فللشخص أن ينوى صيام النافلة حتى الظهر، وزاد بعضهم حتى وسط النهار، ولكن الجزء الذى قبل النية لا ثواب فيه، وقول الإنسان سأصوم إن لم أجد في بيتي إفطارا فهو جائز على ما حققه بعض الشافعية، واختلف العلماء هل رفض نية الصيام يبطل الصيام أم لا، وذهب غير واحد إلى أن رفض هذه النية لا يبطل الصيام، ولكن هذا من ناحية الإبطال والإفساد، وأما من ناحية الأجر فالحديث واضح أنه ” وإنما لكل امريء ما نوى” وهذا لم ينوى الصيام فكيف يؤجر؟ والجمع بين نيتين واجبتين عبث كمن يصوم يوما واحدا ينوى به قضاء ووفاء لنذر وبعض الفقهاء يبطل الصيام بهذه النية، وبعضهم يصرفها لأقوى النيتين، والجمع بين صيام النافلة والواجب مثل صيام قضاء رمضان مع نية نافلة شوال، وهى محل خلاف بين العلماء، والأولى ترك ذلك.