الأدوار العسكرية للناتو والبنتاغون الأمريكى فى الصراع السيبرانى والتايوانى لمواجهة الصين بعد حرب أوكرانيا
الأدوار العسكرية للناتو والبنتاغون الأمريكى فى الصراع السيبرانى والتايوانى لمواجهة الصين بعد حرب أوكرانيا
تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
إن التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين لا يتوقف على القضايا الجيوسياسية لا سيما فى تايوان وبحر الصين الجنوبى، إذ تعد قضايا أخرى مثل: (الأمن الإلكترونى والتكنولوجى السيبرانى)، من بين أحد أبرز مظاهر التوتر بين البلدين أيضاً وتلقى بظلالها على ملامح التنافس الأخرى السياسية والإقتصادية والإستراتيجية بين الجانبين.
وإتهمت الولايات المتحدة الأمريكية الصين بالوقوف وراء عدة (هجمات إلكترونية وعمليات إختراق ضخمة للبيانات إستهدفت مؤسسات وكيانات إقتصادية أمريكية). لذلك، ربطت الولايات المتحدة الأمريكية بين ذلك، ومعارضة قيادة الصين لتكنولوجيا الإتصالات من شبكات الجيل الخامس الصينية.
ولذلك، يتوقع إستمرار السعى الأمريكى لتحجيم أسواق التكنولوجيا الصينية وعزلها عن بقية العالم، خاصةً مع مواصلة وضع واشنطن العقبات أمام حصول الشركات الصينية على مكونات صناعية وأجهزة مهمة أمريكية الصنع.
فلقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل فى تطبيق قيود أكثر صرامة على نقل التكنولوجيا إلى الصين، لذا تشير التوقعات بفرض المزيد من القيود الأمريكية على الصين.
وتعمل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بدءاً من العام الحالى فى ٢٠٢٢ فى سد كافة الثغرات التنظيمية التى سمحت للشركة الصينية المعروفة لتصنيع أشباه الموصلات، والمعروفة بإسم شركة “سميك كوندكتور”
SMIC Semiconductor
وتلك الشركة الصينية، تعد بمثابة أكبر شركة لتصنيع الرقائق فى الصين، قامت بشراء التكنولوجيا الأمريكية المهمة.
ونجد أنه من المرجح أن تضاف شركات وكيانات إقتصادية صينية إلى القائمة السوداء لوزارة التجارة الأمريكية، مع طرح نقاشات بشأن ضوابط التصدير بين الولايات المتحدة وحلفائها بالإضافة إلى التدقيق فى قضايا الإستثمار الأجنبى المباشر فى الصين.
وخلال عام ٢٠٢٠، شنت الصين حملة إستهدفت كبرى شركات التكنولوجيا بما في ذلك عملاق التجارة الإلكترونى الصينى “على بابا” وشركة “تينسنت” وكبرى شركات العقارات، مثل “إيفرغراند وكيسا”، وغيرها.
وهنا نرى، بأن تلك التدابير الصينية والأمريكية ستؤثر سلباً على الإستثمار الأجنبى فى الشركات الصينية، مما سيجعل المستثمرين الدوليين فى حالة حذر تام.
ومن المتوقع بعد حرب أوكرانيا، بأن يشهد الإقتصاد الصينى والأمريكى والعالمى تباطؤاً كبيراً خلال الفترة المقبلة، ووفقاً لتقديرى، فإن إنخفاض النمو العالمى، سيزيد حدة التوترات بين الطرفين.
وعلى الجانب الآخر، فربما وفقاً للرؤية الصينية ذاتها، بأن تلك التدابير والتأثيرات السلبية لحرب أوكرانيا، قد يدفع ذلك الصين إلى العمل مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تخفيف القيود التجارية التى فرضتها إدارة الرئيس الأسبق “دونالد ترامب” على الشركات الصينية.
ونلاحظ هنا، بأنه خلال القمة الإفتراضية بين الرئيسين “شى جين بينغ وجو بايدن” نهاية عام ٢٠٢١، فقد تعهد فيها الرئيس الأمريكى “جو بايدن” ونظيره الصينى “شى” بضمان أن المنافسة بين البلدين “يجب ألا تضل طريقها لتتحول إلى صراع مفتوح”. وذلك رغم حالة التخوف العالمى بشأن مدى قدرة وإمكانية البلدين لتجاوز خلافاتهما بشكل ودى.
وربما يمكننى توقع بأن أى تخفيف قد يطرأ على التوترات الإقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ربما سيكون مؤقتاً ومرهوناً بظروف معينة، وسوف تبدأ بعدها حدة التوترات مرة أخرى بين الطرفين.
ومن وجهة نظرى، فإن المواجهة الأمريكية الصينية ستظل هى الموضوع الرئيسى للصراع، وذلك بالنظر إلى متغيرات المعايير الإقتصادية بين البلدين، فقد أصبحت الصين الآن أقرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أى وقت مضى من حيث القوة الإقتصادية. لذا فإن التنافس – وليس التعاون – سيظل هو أحد أبرز سمات العلاقات الثنائية بين الصين وواشنطن.
كما أنه من المحتمل أن تؤثر (السياسات الداخلية فى كلا البلدين على شكل العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين)، خاصةً مع ظروف إنعقاد وتنظيم الحزب الشيوعى الصينى لمؤتمره السنوى وإجراء إنتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وفى ضوء مثل تلك الظروف العالمية الراهنة، خاصةً بعد حرب أوكرانيا، فإنه يصبح من الصعب، بأن يحدونا الكثير من التفاؤل بإمكانية إحراز تقدم كبير فى أى قضية بين الطرفين. ومع ذلك، سيكون من الممكن أن تبرم الولايات المتحدة الأمريكية والصين بعض الإتفاقيات، وبالأخص إذا كانت ستصب فى صالح البلدين بعد حالة التدهور فى الإقتصاد العالمى بعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا.
ومن هنا، تدرس بكين بشكل دقيق رد فعل المجتمع الدولى على الغزو الروسى لأوكرانيا، فمن المؤكد أن الصين ستحلل أبرز أوجه الإستفادة من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وذلك للإستفادة من ذلك فى إستراتيجيتها تجاه تايوان.
والأهم عندى، هو الإصرار الصينى على مراقبة وتحليل مدى وحدة وتماسك حلف شمال الأطلسى (الناتو) والتحالفات الأمريكية الأخرى وأيضاً مدى قدرة الحلف والدول الغربية على تحمل تبعات وتكلفة العقوبات على روسيا.
وهنا نجد بأن الصين تحاول مراقبة وتحليل كافة مجريات الحرب فى أوكرانيا، والتحليل الصينى حول (أبرز الأدوار العسكرية الدفاعية للبنتاغون الأمريكى وحلف الناتو بعد حرب أوكرانيا، ومدى تأثير الجمع بين المعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية السيبرانية الأمريكية على أرض الواقع)، ثم التركيز الصينى على علاقة كل ذلك بمدى ونطاق تشكيل المواقف الدفاعية والعسكرية لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” وحلف الناتو العسكرى تجاه توجيه الصراع المستقبلى للربط والعلاقة بين أوكرانيا وتايوان، وتأثيرهم على الصين.
وتدرك الصين بشكل جيد أهم وأبرز تلك (الإختلافات اللوجستية بين غزو موسكو لأوكرانيا وأى هجوم محتمل قد تقدم عليه فى مساعى ضم تايوان). ويمكننى هنا تحليل موقف الصين المؤكد، بأنها لا يمكنها إجتياح حدود تايوان فى سيناريو مشابه لتوغل الجيش الروسى فى الأراضي الأوكرانية. حيث ستعمل الصين على البحث أين تكمن الفرصة وكيف يمكن الإستفادة من الأزمة الأوكرانية. وهنا ستحاول الصين تحقيق التوازن فى إطار تعاطيها مع تطورات الأحداث فى أوكرانيا.
ولذلك، تحاول الصين كذلك لعب (دور الحياد الدبلوماسى إزاء الأزمة المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا)، كما لا يتوقع بأن تتصرف الصين بنفس الطريقة التى أقدمت عليها روسيا، ومن وجهة نظرى فأعتقد بأن الصين إذا رأت أن الوقت قد حان لإستعادة تايوان فلن تحذو حذو موسكو إزاء أوكرانيا.
والأبرز عندى، هو ما حللته بشأن مدى (الإدراك التايوانى ذاته لإمكانية إستغلال حرب روسيا ضد أوكرانيا لإشعال الموقف ضد تايوان وتهيئة المناخ نحو شن الصين حرب عليها)، وذلك لصالح أطراف أخرى مستفيدة من ذلك لتحقيق مصالحها، وعلى رأسها: القوى الغربية من الأعضاء فى حلف الناتو العسكرى، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ووزارة دفاعها “البنتاغون”، بسعيهم جميعاً نحو إشعال مواجهة بين الصين وتايوان، للعب على مصالحهم بالأساس، وهو ما أكدته رئيسة تايوان ذاتها “تساى إنغ-وين”، بأن تايوان ستواصل تعزيز دفاعاتها لمواجهة حرب الدعاية والشائعات، والتى تقودها القوى الأجنبية فى الداخل التايوانى، بهدف إستغلال الوضع فى أوكرانيا لنشر معلومات مضللة بهدف إضعاف الروح المعنوية للشعب التايوانى.