سيناريوهات مستقبلية حول مسار الحرب النووية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية

سيناريوهات مستقبلية حول مسار الحرب النووية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية

تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

فى ضوء الإتهامات الأخيرة التى وجهتها وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” إلى الصين، بشأن تطوير قدراتها النووية بوتيرة تهدد الولايات المتحدة الأمريكية، بات التساؤل العسكرى الدولى مطروحاً بشدة، عن: أبرز قدرات الصين النووية وأسلحتها فرط الصوتية والمستهدف بها بالأساس، ومدى تأثير ذلك على سباق التسلح العالمى الجديد؟، خاصةً مع ما أثاره عدد من العسكريين والإستراتيجيين الأمريكيين حول الإتجاه الحالى نحو (عالم نووى ثلاثى أو متعدد الأقطاب والأطراف النووية الدولية)، وذلك فى إشارة إلى القوة النووية الأمريكية والصينية والروسية، فضلاً عن الباكستانية والهندية والكورية الشمالية، وغيرها. ولكن ستركز الباحثة المصرية بالأساس، كمتخصصة فى الشأن السياسى الصينى، حول القدرات النووية لبكين ومدى وكيفية إستخدامها وتوظيفها صينياً فى حال نشوب وإندلاع حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن تايوان. وذلك على النحو الآتى:

١) تلتزم الصين الآن بشكل كامل بتطوير ما يعرفة (سبل الحرب الذكية أو الأساليب العسكرية المستقبلية)، وهى تلك الأساليب التى تعتمد على التقنيات التكنولوجية المتقدمة، وعلى وجه الخصوص تقنيات الذكاء الإصطناعى. ومنحت (الأكاديمية الصينية للعلوم العسكرية) تفويضاً لضمان تحقيق ذلك، وذلك من خلال “الدمج بين القطاعات العسكرية – المدنية”، أى: عمل دمج بين تقنيات شركات القطاع الخاص فى الصين ومؤسسات الصناعات العسكرية الصينية.

٢) وهنا فربما تقوم الصين بالفعل (بإستخدام الذكاء الإصطناعى في مجالات الروبوتات العسكرية وأنظمة توجيه الصواريخ، فضلاً عن مجالات الطائرات والزوارق الحربية المسيرة بدون قائد). وقد أجرت الصين بالفعل عدة عمليات سيبرانية على نطاق كبير خارج حدودها.

٣) ونجد أنه خلال يوليو ٢٠٢١، وجهت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى وبريطانيا أصابع الإتهامات إلى الصين بالمسؤولية عن هجوم سيبرانى كبير إستهدف (خوادم مايكروسوفت إيكستشينغ). ويعتقد بأن الهجوم الصينى قد أضر بأكثر من ٣٠ ألف شركة على نطاق العالم، وكان هدفه تسهيل التجسس على نطاق واسع بما في ذلك الإستحواذ الصينى على بيانات شخصية وممتلكات فكرية.

٤) ومن وجهة نظرى، فأعتقد بأن المسؤوليين الغربيين والأمريكان أنفسهم قد عمدوا إلى تضخيم التهديد الذى تشكله الصواريخ الصينية الفائقة للصوت، وذلك فى إطار سعيهم لإثبات ضرورة توفير التمويل اللازم لتطوير تقنيات الفضاء العسكرية. ومن هنا، يمكننا إعتبار أن التهديد النووى الصينى، حتى وإن كان حقيقياً، إلا أنه من الممكن أن يكون مبالغاً فيه من قبل واشنطن والغرب.

٥) وجاء تعهد الرئيس الصينى “شى جين بينغ” بتحديث القوات المسلحة الصينية بشكل كامل بحلول عام ٢٠٣٥. مع تأكيده إلتزام قوات بلاده المسلحة بأن تصبح قوة عسكرية “متفوقة عالمياً” بإمكانها “خوض الحروب وتحقيق النصر فيها” بحلول عام ٢٠٤٩. وتوجه الصين نفسها إنتقادات إلى مستوى المخزون النووى الأمريكى الذى يحتوى على ٥٥٠٠ رأساً نووية، فى الوقت الذى ينظر فيه إلى تسارع وتيرة التسلح النووى الصينى على أنه يعد أحد أخطر التهديدات للتفوق العسكرى الغربى.

٦) وتحاول الصين فى هذا المجال، العمل على (تطوير سرعة الصواريخ الفائقة للصوت إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت). ورغم أن سرعاتها لا تعادل سرعات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، مما يجعل من صعوبة رصدها أثناء تحليقها أحد أهم (أنظمة الدفاع الجوى الصينية المتقدمة فى التصدى لأى إنتهاكات أمريكية لحدودها الإقليمية المجاورة والمباشرة فى المستقبل).

٧) وزادت مخاوف الصين من السباق النووى الأمريكى الغربى فى مواجهتها، خاصةً بعد توقيع “إتفاقية أوكوس الدفاعية العسكرية للغواصات النووية مع أستراليا” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مع أستراليا وبريطانيا. لذلك إنتقدت وسائل الإعلام الحكومية الصينية فى عدة مقالات إفتتاحية تلك الاتفاقية، وجاء تأكيد صحيفة “غلوبال تايمز” الرسمية الصينية، بأن أستراليا حولت نفسها الآن إلى خصم نووى للصين، بسبب مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية لتكنولوجيا الغواصات النووية الخاصة بها لأول مرة منذ ٥٠ عاماً، بعد أن شاركتها مع بريطانيا فقط.

٨) وبموجب إتفاقية أوكوس الدفاعية للغواصات النووية، فإن (أستراليا ستكون قادرة على بناء غواصات أسرع تعمل بالطاقة النووية، وبالتالى سيصعب إكتشافها من خلال الأساطيل البحرية التى تعمل بالطاقة التقليدية، وبإمكانها أن تظل فى المياه لعدة أشهر)، فضلاً عن قدرتها على إطلاق صواريخ لمسافات أطول، على الرغم من أن أستراليا تقول إنها لا تعتزم تجهيزها بأسلحة نووية.

٩) وتشير أبرز التحليلات والكتابات العسكرية الصينية، بأن “جيش التحرير الشعبى” سيزيل كافة القواعد العسكرية وحاملات الطائرات الأمريكية فى منطقة (الإندو – باسيفيك) بين المحيطين الهندى والهادئ، وعلى ضفتى مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبى والشرقى. مع التأكيد على القوة الرادعة للترسانة النووية الصينية، وقدرتها نووياً على صد كافة هجمات الولايات المتحدة الأمريكية فى البر الرئيسى للصين.

١٠) ومن أجل تحقيق التفوق العسكرى الأمريكى على الصين، يرى عدد من العسكريين والإستراتيجيين الأمريكيين، بأن ضرب قواعد البر الصينى نووياً عند إندلاع أى صراع أمراً هاماً، إعتقاداً منهم بأن (تفوق القوة النووية الأمريكية سيردع الصين عن الإستجابة أو الرد بالمثل). ولكن، تشير التوقعات العسكرية للجانبين الأمريكى والصينى، بأن إستخدام الأسلحة النووية من قبل أى طرف أو الطرفين الصينى والأمريكى معاً، قد يتسبب فى إندلاع حرب واسعة النطاق بدلاً من أن تحول دون وقوعها.

١١) كما تؤكد التحليلات العسكرية الصينية، بأنه من المحتمل أن تتحول الحرب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بالقرب من مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبى إلى حرب نووية، بالتأكيد على أنه من أجل تغيير مسار الحرب للطرف الخاسر أو المهزوم، فإن ذلك الطرف الذى سيخسر حربه مع الآخر، قد يضطر لتعويض خسارته وهزيمته، بإستعراض قوته النووية وأسلحته التكتيكية النووية لضرب الجانب الفائز، عبر إستخدام عدة (أسلحة نووية تكتيكية، أى بإستخدام عدداً من الرؤوس الحربية محدودة القوة، ولكن بإمكانها تدمير أهدافاً عسكرية بشكل دقيق).

١٢) وفى حالة نجاح الصين فى شل وعرقلة القوة العسكرية الأمريكية بالقرب من مناطق النفوذ الصينى المباشر، فإنه ربما سترد واشنطن على الصين لحفظ وجهها أمام شعبها والقوى الدولية والإقليمية الأخرى لإنقاذ تايوان، خوفاً من إجتياح الصين لها، عبر إمكانية (إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية لأسلحة نووية تكتيكية ضد موانئ الصين ومطاراتها وأساطيلها البحرية والجوية. وهذا ليس مجرد تحليل خالى من الصحة بدون مؤشرات حقيقية عليه، فالقوات المسلحة الأمريكية، تطور فى الوقت الحالى أسلحة نووية لردع الصين بالأساس فى تايوان وبحر الصين الجنوبى فى حالة نشوب حرب بينهما، من خلال تطوير واشنطن لبرنامج صواريخ “كروز” برؤوس نووية لإطلاقها بواسطة الغواصات النووية الأمريكية المتواجدة بالقرب من مناطق النفوذ الصينى المباشر)، ويمكن أن تستعمل العسكرية الأمريكية وقواتها فى منطقة الإندو-باسيفيك تلك الأسلحة النووية، بالقرب من الصين لتحقيق إنتصار عسكرى نووى أمريكى على الصين.

١٣) ووفقاً لتحليلى للمشهد العسكرى الأمريكى الصينى، وفقاً لمؤشرات القوة النووية بينهما، يمكننى فهم بأن (إندلاع حرباً بين واشنطن وبكين، قد يتحول إلى نزاع تخوضه المنطقة الإقليمية المجاورة للصين فى شرق وجنوب شرق آسيا بأكملها، خاصةً بمساندة حلفاء واشنطن لها بعد توقيع واشنطن معهم لإتفاقية كواد الرباعية مع أستراليا، اليابان، الهند، وإتفاقية أوكوس الدفاعية العسكرية للغواصات النووية بين واشنطن وأستراليا وبريطانيا). وبالتالى، فإن أى صراع أمريكى صينى، من المرجح أن يتمدد عبر مناطق عديدة فى عدة جبهات آسيوية، وهنا قد تستعمل الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء أسلحتهما النووية لإنتزاع النصر عند خسارتها جبهة الحرب.

١٤) ومن أجل السيناريو السابق مباشرةً، تشير التحليلات العسكرية الصينية ببدء إهتمام “جيش التحرير الشعبى الصينى” لعملية توسيع غير مسبوقة لترسانته النووية، فقد صرح الجنرالات العسكريين والإستراتيجيين الصينيين البارزين، بأنه (بوسع الصين أن تستعمل أسلحتها النووية فى حال نشوب حرب مع القوات الأمريكية القريبة من حدودها، وهو ما يمثل تهديداً لمصير المنطقة الآسيوية بسبب إستخدام كل طرف من أطراف الصراع لترسانته النووية فى مواجهة الآخر). وهذا أمر سيكون إمكانية حدوثه شبه مؤكداً، لأن بكين ستكون حريصة بشكل تام على عدم خسارة أى حرب أو صراع محتمل فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تايوان.

١٥) وربما فى إعتقادى، فإن التلويح بإستخدام الترسانة النووية لكلاً من الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية دفاعاً عن تايوان، مجرد حرب تصريحات أو حروب دعائية أو مجرد تكهنات وخطط خداع عسكرية ونفسية لإحباط كل طرف للآخر، والتى باتت تأتى ربما فى شكل (إدعاءات غير رسمية وخطط خداع بين الطرفين الأمريكى والصينى). ومع ذلك، تؤكد التحليلات العسكرية الصينية بإمكانية إطلاق الصين لأحد أسلحتها النووية (ربما ضد القواعد العسكرية الأمريكية الضخمة فى منطقتى جواما بالقرب من كوريا الجنوبية أو جزيرة أوكيناوا اليابانية أو بالقرب منهما)، وذلك بالأخص فى حالة إذا ما واجهت الصين إحتمال التعرض لأى هزيمة لن تقبلها من قبل واشنطن، وبالتالى سترد عليها نووياً لتعويض خسارتها وهزيمتها فى أى صراع، وذلك من أجل إستعادة الصين – حتى فى حالة خسارتها الحرب مع الولايات المتحدة الأمريكية – لميزة تكتيكية أو التسبب بصدمة لواشنطن تحملها على وقف إطلاق النار فى مواجهة القوات المسلحة والعسكرية لجيش التحرير الشعبى الصينى.

ومن هنا نستنتج، بأن الخيار الأخير لدى الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية فى حالة إندلاع أى نزاع مفتوح بينهما بشأن تايوان، إلى محاولة الصين تجنب تلك الحرب النووية فى المقام الأول أو كخيار أولى، ولكن عوضاً عن ذلك ربما (يتوقع خوض الصين لحرب طويلة لخنق تايوان عن طريق محاصرتها، أو ربما قصفها لإجبارها على الإستسلام للبر الرئيسى للصين، أو نسف القوات الصينية للشبكات الكهربائية وشبكات الإتصالات الأمريكية والتايوانية عبر إستخدام عدة هجمات سيبرانية).

ولكن على الجانب الآخر، فربما يكون فى مقدور الصين أن (تستعمل صواريخ أسرع من الصوت مسلحة بشكل تقليدى من أجل ضرب أهداف فى الداخل الأمريكى نفسه، أو نشر العديد المعلومات الصينية المضللة لتحجيم عملية التقدم والإندفاع الأمريكى)، وهو ما سيتطلب من واشنطن وتايوان وضع خطط أخرى تكتيكية، منها: التصدى لأى إجراءات عسكرية صينية، عبر عدة تحضيرات دفاعية، أبرزها: (تأمين الشبكات ذات الأهمية الحساسة، توسيع النظام التايوانى لملاجئ المدنيين، زيادة مخزون الجزيرة التايوانية من الوقود والغذاء والإمدادات الطبية اللازمة بمساعدة أمريكية).