الدكرورى يكتب عن منهيات شهر رمضان ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
منهيات شهر رمضان ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع منهيات شهر رمضان، ويربط الإفطار بغروب الشمس وغياب القرص، وهى آية كونية واضحة دين الوضوح، الأحكام مربوطة في توقيتات بآياته في كونه في سمائه، خلق هذه الكواكب ليس عبثا خلقها، وفيها منافع فقال تعالى فى سورة البقرة ” يسألونك عن الأهلة فل هى مواقيت للناس والحج” وهكذا يا مسلم تمسك إذا طلع الفجر وهو البياض المنتشر في الأفق وتتعلم السنة فقال تعالى فى سورة البقرة ” وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ” إذن قضية احتياطات قبل الفجر بعشر دقائق لا مكان لها، سنة وفقط، لا زيادات، ولا إضافات في الدين، وهكذا يعلمك كيف تعجل الفطر، وتؤخر السحور لأجل أن تخالف أهل الكتاب، ولا يكون هناك ذريعة في الزيادة في الصوم، والله يريد العبادات منضبطة لا زيادة ولا نقص.
ولذلك نهينا عن صيام يوم الشك، وعن تقدم رمضان بيوم أو يومين من هذه الجهة، ونهينا عن صيام يوم العيد من الجهة الأخرى، لماذا؟ تريد أن تصوم قبل رمضان بيوم ممنوع، تريد أن تصوم بعد رمضان بيوم ممنوع، لماذا؟ لأنه يريده دينا منضبطا، وعبادة دقيقة، لا زيادة ولا نقصان لأن التعيين من حقه، فربط دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فهى آيات بينات، وهكذا ترى رحمته في تشريعه، فقال تعالى فى سورة البقرة ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” ويقول تعالى ” فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر” وهكذا الحامل والمرضع من أجلها، ومن أجل جنينها فالإسلام دين رحمة، ومن أجل جنينها تفطر، ومن أجل رضيعها تفطر، وإذا قلّ هذا اللبن فى ثديها تفطر، ويجب عليها أن تفطر.
ولا يجوز لها أن تصوم وولدها ورضيعها يتضرر بعدم الرضاع لأن الرضاع الطبيعى من حقه ولا يجوز أن تفطمه إلا عن تراض وتشاور بينها وبين زوجها، كما ذكر الله تعالى، فإن هذه الرحمة منه فى المريض، والحائض، والنفساء، والحامل، والمرضع، والمسافر تدل على أنه لم يرد بالصيام أن يجوعنا ويعطشنا ويعذبنا، وإلا لعم الجميع، وإلا لصارت القضية من الفجر إلى الفجر، وإلا لفرض علينا المواصلة في الصوم، ولكن هو رحيم، يريد هذا لأجل التقوى، ولذلك الذى لا يتفطن للمعنى الذى من أجله فرضه يعصيه، والذى لا يتفطن للمعنى الذى لأجله سبحانه فرضه رمضان يعصيه فيه، فترى بعض الناس في ليلهم في لهو ولعب، ما كأنه فرض للتقوى، يتفرجون، يسمعون، يشاهدون أشياء تخالف معنى الصيام، فكيف تصوم له في نهارك وتعصيه في ليلك.
مع أن الليل من رمضان وشرف الزمان يشمل الليل والنهار؟ بل إن لياليه فيه ليلة أعظم من نهاره وهى ليلة القدر، فإذن الشرف في رمضان لليل والنهار، وعندما يرحم الكبير، ويقول للمسن الذي لا يستطيع بأن يفطر ويطعم، ومن كان عنده عذر يزول ينتظر حتى يزول العذر ثم يقضي فقط، وهكذا ترى أنه لما زال العقل بخرف مثلا زال التكليف، وقد يكون فيه قوة، لكن لما زال العقل زال التكليف، فلا يؤمر بصلاة ولا بصيام، وإن الله عز وجل من رحمته أذن لنا في مباشرة نسائنا فى ليلنا، فقال فى سورة البقرة ” فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله ” وبين لك بأن المراد من إتيانها ليس قضاء الوطر فقط، بل ابتغاء الولد أيضا لأن في الولد خير عظيم، تربيه فتؤجر على أعماله لأن الدال على الخير كفاعله، وتطعمه فتؤجر على النفقة عليه و في كل ذات كبد رطبة أجر، فكيف بولدك الذي هو فلذة كبدك.
فقال تعالى كما جاء فى سورة البقرة” وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل ” ولو لاحظنا المفطرات سنجد منها ما هو مقوى ومنها ما هو مضعف، فمنع الطرفين، ما يقوى من الطعام والشراب، وما يضعف من الجماع والاستقاءة والاحتجام، ولما كان الحيض يضعفها، رغما عنها بخروج هذا الدم، فإنه رفع الصوم عنها حتى يزول هذا العذر لترجع ولم يكلفها بأكثر من القضاء، ولما كانت المفطرات درجات بعضها أسوأ من بعض جعل للأسوأ كفارة أغلظ من غيره، فجعل في الجماع مثلا عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ليذوق وبال أمره لأن الكفارات تأديب، ولذلك ترى في بعضها شدة لعظم الجرم الذى ارتكب، فإن لم يستطع يطعم ستين مسكينا، وهكذا يربي الصيام فينا التحكم في النفس.