الدكرورى يكتب عن منهيات شهر رمضان ” جزء 14″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
منهيات شهر رمضان ” جزء 14″
ونكمل الجزء الرابع عشر مع منهيات شهر رمضان، وفي الحديث المرفوع “أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبالى بعض تأخير صلاة العشاء إلى نصف الليل وكان لا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها” رواه البخارى ومسلم، وقال النووى رحمه الله “واتفق العلماء على كراهة الحديث بعد العشاء إلا ما كان في خير” فإن السهر على القيل والقال، وما لا فائدة فيه، أو على اللهو واللعب والمعاصي، ومتابعة المسلسلات، والأفلام الخليعة، وما يأتى عن طريق البث التليفزيونى بواسطة الدشوش، كل ذلك سهر حرام فى رمضان وغيره، وفى رمضان أشد تحريما لحرمة الزمان، ولأنه بهذا السهر تضيع أوقات في الليل والنهار، وقد ينام في النهار عن أداء الصلوات في وقتها بسبب السهر في الليل، والله جعل الليل للنوم، وجعل النهار للعمل، وهؤلاء عكسوا الأمر.
وخالفوا ما طلب منهم، وضيعوا أوقاتهم بالسهر بالليل والنوم بالنهار” وكل سهر أدى إلى الوقوع في محرم فهو محرم، أما السهر في طاعة الله، أو في مصالح المسلمين ما لم يترتب عليه ضياع واجب، أو فوات مصلحة أرجح فهو سهر محمود، وإن من مخالفات بعض النساء في رمضان وهى أن تحرج الحائضات منهن أو النفساء من الأكل والشرب في نهار رمضان، فلا يأكلن إلا قليلا أو يتناولن لقمة قبل أذان المغرب بقليل تأكيدا لعدم الصيام وهذا تنطع خاصة من نفساء مرضع تحتاج إلى التغذية الجيدة، والطعام والشراب عقب ولادتها، إذ للحائض والنفساء أن تأكل وتشرب بلا حرج في نهار رمضان، ويحرم عليهن الصوم، وإنما يحرم على من أفطر في رمضان لغير عذر أن يأكل أو يشرب فى نهاره لحرمة الشهر في حقه، مع ما يلزمه من القضاء والكفارة بحسب سبب فطره بغير عذر شرعى.
وإنه لا يخفى عليكم عظم شهر رمضان ومقدار فضله فهو مغنم لمن أراد الفوز ونجاة لمن رجا عفو الرحيم الغفار، ويلاحظ أن الأفكار قد طرأ عليها ما يشوبها من أخطاء وعادات قللت لمن داوم عليها من الفوز العظيم بفضائل هذا الشهر الكريم، فتجدها قد خالفت الهدى النبوى الشريف، وأما عن أحوال الناس فى الصيام فى السفر، ومتى يكون الأفضل الصوم أو الفطر؟ وهو أن للناس في الصيام فى السفر خمسة أحوال، وأما عن الحال الأولى، وهو من يتضرر بالصيام، فهذا يكره له الصيام، وإن صام أجزأه، وذهب بعض العلماء إلى تحريم الصيام عليه، وعلى هذا يحمل ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت.
فدعا بقدح من ماء وكان بعد العصر فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام، فقال “أولئك العُصاة، أولئك العُصاة” رواه مسلم، وأما عن الحال الثانية وهو من يشق عليه الصيام ولا يتضرر به، فهذا يكره له الصيام أيضا، وإن صام أجزأه، وعلى هذا يحمل ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال “ما هذا؟ ” فقالوا صائم، فقال “ليس من البر الصوم في السفر” رواه البخارى ومسلم، وأما عن الحال الثالثة، وهى من لا يشق عليه الصيام، ولكن يشق عليه القضاء كالذى يكون مشغولا في غير رمضان بوظيفة أو سفر فيشق عليه القضاء، أو ينشط في الصيام مع الناس ولا ينشط وحده، أو أن عنده عبادات أو أعمالا أخرى فى فطره تستغرق أكثر وقته ويشق عليه القضاء.
فى هذه الحالة فالأفضل لهذا أن يصوم في السفر، وأما عن الحال الرابعة وهو من يستوى عنده الأمران الصيام وعدمه، ولا يشق عليه القضاء، فقد اختلف العلماء فى الأفضل له، والصحيح أن الأفضل له الفطر، وهو مذهب الإمام أحمد، وقول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبى والأوزاعي وإسحاق وابن خزيمة وابن حبان، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن باز، وذلك لأنه يستمتع برخصة الله تعالى وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب أن تؤتى رُخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته” رواه أحمد ويدل عليه أيضا قوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ” حيث جعل الأصل للمريض والمسافر الإفطار لأنه نقله مباشرة إلى القضاء، ولم يخيّره في الصيام وعدمه.