الدكرورى يكتب عن معاذ بن جبل الأنصاري ” جزء 5″
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع معاذ بن جبل الأنصاري، وكان يرى العبادة قصدا وعدلا، وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول” تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا” وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس، وكان معاذ بن جبل من أمانته وورعه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أرسله الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام، وعاد الى زوجته بحلسه وهو ما يوضع على ظهر الدابة الذي خرج به، فقالت له زوجته أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهم؟ فقال معاذبن جبل رضى الله عنه، لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي.
فقالت له امرأته لقد كنت أمينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، ثم جاء عمر بن الخطاب، فبعث معك رقيبا يحصي عليك، وشاعت ذلك عند نساء عمر بن الخطاب، وشكته لهن فبلغ الخليفة عمر، فأرسل عمر بن الخطاب، الى معاذ بن جبل وسأله ” أنا أرسلت معك رقيبا ” فقال معاذ بن جبل، يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا وقصدت بالرقيب الله عزوجل، فأعطاه عمر بن الخطاب شيئا وقال له أرضها به، وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أرسل اليه واليه على الشام يقول يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم.
فأرسل اليه عمر بن الخطاب من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما مات أمير الشام وهو أبو عبيدة عامر بن الجراح، فقد استخلفه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، على الشام، ولم يمضى عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا، وكان عمر بن الخطاب يقول” لو استخلفت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟ لقلت سمعت نبيك محمد صلى الله عليه وسلم يقول” إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان معاذ بين أيديهم” وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا، وقال ابن أبي نجيح كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أهل اليمن وبعث إليهم معاذ بن جبل، فقال صلى الله عليه وسلم”إنى قد بعثت عليكم من خير أهلي والى علمهم والى دينهم.
وعن معاذ بن جبل قال، لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى اليمن قال لى ” بم تقضى إن عُرض لك قضاء؟” قال، قلت أقضى بما في كتاب الله، قال صلى الله عليه وسلم “فإن لم يكن في كتاب الله؟” قلت، أقضى بما قضى به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم” فإن لم يكن فيما قضى به الرسول؟” قال، قلت أجتهد رأيى ولا آلو، قال فضرب صدري وقال صلى الله عليه وسلم “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يُرضي رسول الله” وقال بشير بن يسار، لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن معلما قال، وكان رجلا أعرج فصلى بالناس في اليمن فبسط رجله فبسط القوم أرجلهم، فلما صلى قال لهم قد أحسنتم ولكن لا تعودوا فإنى إنما بسطت رجلى في الصلاة لأني اشتكيتها.
ووافى السنة التى حج فيها عمر بن الخطاب، فالتقيا يوم التروية بمنى فاعتنقا، وعزى كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخلدا إلى الأرض يتحدثان، وقال ابن كعب بن مالك، كان معاذ شابا، جميلا، سمحا لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه، وقال عنه الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، ولولا معاذ لهلك عمر، وقال أبو إدريس الخولانى دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا، وإذا ناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقالوا هذا معاذ بن جبل، فلما كان من الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، فوجدته يصلى، قال فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قِبل وجهه، فسلمت عليه، وقلت له والله إني لأحبك لله.