هاربة من معسكرات الاعتقال الصينية” تفوز بـ “بوليتيزر
زمردة داود، أم لثلاثة أطفال من مسلمات الإيغور، تحولت إلى أيقونة للباحثات عن الحرية والخلاص من القمع الوحشي، مثلما تمارسه الصين في معسكرات التعذيب ضد سكان تركستان الشرقية (شينجيانغ).
فازت قصة زمردة “هاربة من معسكرات الاعتقال” التي نشرها موقع “Insider” انسايدر الأمريكي، بأرفع جائزة صحفية أمريكية عن التحقيق الصحفي المصور لعام 2022، الأسبوع الماضي، وهي الأولى منذ إطلاق موقعه، عام 2007.
حكاية زمردة مثل آلاف النساء اللائي يتعرضن يوميًا للتعذيب على أيدي قوات الشرطة، وعناصر الحزب الشيوعي الصيني، في منطقة يفترض أنها تعيش تحت الحكم الذاتي. تفضح زمردة، الممارسات الصينية ضد ٣ ملايين من مسلمي الإيغور الذين يعيشون قسرًا في مراكز تعدها الحكومة “مراكز للتثقيف وإعادة التأهيل والمواطنة”، والكوارث التي يفرضها عليهم نظام ينزلق نحو حكم شمولي بغيض، يخضع كل من فيه للاحتجازات الجماعية، والقمع الديني، والمراقبة الرقمية والبدنية، على مدار الساعة.
لم تأت قصة زمردة داود، بجديد عن التعذيب، إلا أنها نجحت في سرد تفاصيل مؤلمة، تمكّن ثلاثة من كتّاب موقع “إنسايدر” وصحفييه، من تحويلها إلى قصة كرتونية مصورة، يطلع عليها الناس، بطريقة ميسرة على الهاتف، كشريط سينمائي.
عرضت القصة كرواية تتحرك عموديًا، من أعلى لأسفل، أخرجها فنيًا الرسام “جوش آدمز”، وزيلتها “فهيمدة عظيم” بخط إملائي سهل، يفهمه من يقرأ كلمات أولية باللغة الإنجليزية، وأظهرت “ربيكا جود” ألوان الرسومات، لتشرح بقليل من “الرتوش” العذاب الذي مرت به زمردة في السجن، وخلال رحلتها، منذ استدعائها للتحقيق في مركز الشرطة حتى فرت هاربة إلى الولايات المتحدة، وتنفسها عبير الحرية، في مدينة فرجينيا التي تقيم بها حاليًا.
ملاحقة المسلمين
تشير زمردة، المولودة في مدينة أورومتشي عاصمة الإقليم، في 16 يونيو 1982، إلى انتمائها لأسرة ليست غنية، ولكنها سعيدة، تحب الترحال، ومن خلاله اطلعت على كيفية الحياة في دول يعيش فيها الناس بحرية. تشير إلى أن عذاب الناس بدأ منذ سنوات، واشتد عام 2017، عندما أقامت السلطات نقاط تفتيش أمنية على مسافة كل 300 متر، بين المناطق السكنية. أجبروا السكان على وضع تطبيق على هواتفهم، وفي كل مرة تتحدث مع غيرها عن الإسلام، يأتيها اتصال من أحد ضباط الشرطة، يطلب منها أن تدلي بتفاصيل ما كانت تناقشه مع غيرها عبر الهاتف.
تبين رسومات القصة، كيف كان ضباط الشرطة يحتجزون المواطنين؟ لمجرد ذكر كلمة عن الإسلام، فيقتحمون منازلهم ويلقون بالمصاحف والكتب الدينية في الصرف الصحي. بدأت زمردة رحلة الشقاء، في 31 مارس 2018، عندما استدعاها مركز الشرطة، وأدخلوها عنوة في زنزانة بقبو، وظلت مقيدة اليدين، وتجلس على كرسي تحت الضوء الساطع، طوال الليل، وبعد أيام كانت الأسئلة، لماذا تنجبين 3 أطفال؟ ومن تعرفين من الإيغور في الخارج؟
التنكيل كما صورته قصة زمردة داوود
التبول على أجساد الفتيات
تظهر الرسوم، كيف وضعوا كيسًا أسود على رأسها، حيث ظنت أنهم سيقتلونها، ونقلت إلى مركز اعتقال آخر، بعد قص شعرها أجبرت على خلع ملابسها أمام ضابطين وامرأة، واحتجزت في زنزانة ضيقة، مع 30 امرأة من الإيغور، ولضيق المكان، كانوا يتبادلون الجلوس والوقوف كل 3 ساعات. تشرح صور القصة كيف يتناوب الضباط على تعذيب الفتيات الصغيرات، والتبول على أجسادهن العارية، بما دفعها للانتحار، وبعد فشلها، قطعت شرايين يدها، في محاولة للخلاص.
رغم الضرب اليومي على رأسها قاومت، بعد أن علمت أن سبب ملاحقتها، اعتقاد الصينيين أنها أنجبت 3 أطفال، استجابة لدعوات دينية، وحتى لا ينقرض الإيغوريون، وعندما صرخت من كثرة التعذيب في إحدى المرات قائلة: “يا الله” ازداد العنف معها، وضموها إلى دروس التثقيف الشيوعية، حيث يقولون للجميع: “الله غير موجود، وأن الزعيم شي هو القائد الموجود، ويبذل الجهد لإسعادنا جميعًا
بضغوط من زوجها الذي يحمل جواز سفر باكستانيًا، وتهديده بفضح السلطات الصينية في أجهزة الإعلام الدولية، أفرج عن زمردة، بعد 63 يوما، وظلت تحت الرقابة مع إجبارها على استضافة أسرة من 4 أفراد بمنزلها لمدة 10 أيام شهريًا، وحضور مراسم رفع العلم، والدعاء للمرشد الأعلى شي جين بينغ. اختطفوها مرة أخرى، لإجراء عملية تعقيم قسري، أسوة بما يحدث مع مئات الآلاف من النساء المسلمات، وهو ما تنكره عادة السلطات الصينية.
الهروب الأخير
أدركت زمردة استحالة العيش في دولة السجون والقمع، واستطاع زوجها عبر الرشوة استخراج جواز سفر للعائلة، وشراء تذكرة للعودة إلى وطنه الباكستان، وكانت المفاجأة أنه فر بها إلى الولايات المتحدة، حيث عادت تتنفس بحرية، إلا أنها أصرت على مواجهة الاستبداد بفضح جرائمه بشتى السبل.
فازت زمردة بحريتها، وحصل الموقع على الجائزة الكبرى التي يحلم بها كل صحفي، في وقت يلاحق فيه الصحفيون في الصين وبلاد العرب ودول الاستبداد، ويقتلون بأيدٍ باردة، كما حدث على أيدي الاحتلال الإسرائيلي مع الزميلة شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين المحتلة.
يضطهدوننا كأننا مسلمون
لا يتوقف اضطهاد الصين عند المسلمين، الذي تصاعد في عهد شي، فقد اعتقلت السلطات الصينية، الكردينال الكاثوليكي جوزيف زين (90 عامًا)، الأسبوع الماضي، بموجب قانون الأمن القومي، الذي فرضته على هونغ كونغ مؤخرًا، بتهمة التواطؤ مع شخصيات أجنبية داعمة الديمقراطية في الجزيرة. تهديد المسيحيين لا يزال أقل استهدافًا من المسلمين أو البوذيين التبتيين، لتوافق تحت الطاولة بين بابا الفاتيكان والمرشد الأعلى، مع ذلك ينظر الصينيون إلى ما يحدث في شنغهاي، التي ما زالت تحت حصار مكافحة وباء كوفيد منذ 7 أسابيع، بأنه من نتائج تدريب السلطات القمعية على المسلمين الإيغور، خلال السنوات الماضية. يتندر الصينيون الهان بأن السلطات تعاملهم في شنغهاي وكأنهم من مسلمي الإيغور، وقالت مسؤولة في هيومان رايتس ووتش “هناك خوف حقيقي من أن تكون الصين أشبه بشينجيانغ أو كوريا الشمالية”.
“سيتم القبض على كل الناس إذا وجدوا ما يفيد أنهم مسلمون” من القصة الفائزة