الدكرورى يكتب عن الطريق إلى الإنحراف ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع الطريق إلى الإنحراف، فلم يكن اهتمام الإسلام منصبا على حشو الأدمغة بالمعلومات والمعارف الإنسانية أو الدينية بقدر ما كان يهتم بتأديب المتلقي وتربيته على المبادئ التي تحملها تلك المعلومات بل والتماهي والتمازج بين المبادئ العقلية والشخصية الإنسانية حتى تصيرا شيئا واحدا، لذلك كان أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون حفظ عشر آيات حتى يتعلموا ما فيهن من العلم ويعملوا بما فيها، فيتعلمون القرآن والتقوى معا، وتزداد قلوبهم إيمانا مع إيمانهم، وتتعمق في نفوسهم المعاني التربوية العظيمة التى قد لا يحويها كتاب ولكن يحويها قلب امرئ مسلم، ويحسب بعض الآباء أن مسؤولية تربية الطفل تقع على الأم فقط.
ولا يطلب منه سـوى تأمين الحاجات المادية لأطفاله وزوجته، فتجده يقضى معظم وقته خارج المنزل في العمل، أو مع الأصدقاء، حتى إذا عاد إلى منزله جلس وحده فى غرفته، محذرا زوجته من أن تسمح للأطفال بتعكير صفو تأملاته وأحلامه وهو نائم، وإن الرؤية الإسلامية لا تقدم مسؤولية أى من الرجل أو المرأة في الأسرة على الآخر، فمشاركة الأب والأم فى التنشئة الاجتماعية والسياسية للطفل هي مشاركة واجبة ولازمة، إذ لا يغنى أحدهما عن الآخر، وهما يشكلان معا، بالإضافة للأبناء، هيكل السلطة فى الأسرة من خلال مسؤوليات كل طرف، ولا يكتمل الهيكل أو البناء إذا تخلى أحد الأطراف عن واجباته، فالرعاية مسؤولية الوالدين معا.
وكلاهما مسؤول عن رعيته، وإن من أهم وسائل إصلاح النشء هو التربية بالقدوة، وهى تربية صامتة، ولكن أثرها أعظم من كل توجيه، فالطفل منذ ضعفه مفطور على محاكاة مَن هو أكبر منه، فأنت أنت صورة حية لأولادك، فانظر ماذا ترسم في شخصيتهم من خلال قولك، وسمتك، وفعلك، فإن القدوة ليست كلمات تقال، بل هي سلوك وأفعال، وإنه لشرخ فى جدار التربية، وعلى الأم أن تفتح قناة للاتصال مع ابنتها، وأن تجلس وتتحاور معها لتفهما كيف تفكر، وما ذا تحب من الأمور وماذا تكره؟ واحذري أيتها الأم أن تعامليها كأنها ند لكى، ولا تقرني نفسك بها، وعندما تجادلك أنصتي لملاحظاتها وردي عليها بمنطق وبرهان.
إذا انتقدت فانتقدي تصرفاتها ولا تنتقديها هي كشخص، استعيني بالله ليحفظها لك ويهديها، وإن المراهقة تختلف من فرد إلى آخر، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى أخرى، كذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيرا من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة، كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالا تاما.
وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة، والنمو عملية مستمرة ومتصلة، ولأن النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، فقد دلت التجارب على أن النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسؤولة عن حدوث أزمة المراهقة، فمشاكل المراهقة في المجتمعات الغربية أكثر بكثير من نظيرتها في المجتمعات العربية والإسلامية، وهناك أشكال مختلفة للمراهقة، منها مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات، ومراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه.