الدكرورى يكتب عن عبد الله بن مسعود الهُذلي “جزء 8”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عبد الله بن مسعود الهُذلي “جزء 8”
ونكمل الجزء الثامن مع عبد الله بن مسعود الهُذلي، وكما ذكر علقمة بن قيس النخعي أنه قدم الشام، فلقي أبا الدرداء، فسأله فقال ” تسألوني وفيكم عبد الله بن مسعود؟ ” وقد عدّ ابن قيم الجوزية عبد الله بن مسعود واحدا من المكثرين من الصحابة في الفتيا، وقد أخذ عن عبد الله علمه بالفقه والفتيا من التابعين علقمة بن قيس النخعي والأسود بن يزيد النخعي وشريح بن الحارث القاضي وعبيدة بن عمرو السلماني والحارث بن عبد الله الأعور، ونشروا فتواه وآرائه، حتى قال الشعبي ” ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أفقه صاحا من عبد الله بن مسعود ” وأما عن مذهب عبد الله بن مسعود الفقهي، فقد كان ينحى منحى عمر بن الخطاب في الفقه بالإفتاء بالرأي حيث لا نص.
وقد سار على هذا النهج في فترة قضائه بالكوفة، فلا يكاد يخالف عمر بن الخطاب في شيء من آرائه، وهو ما يأيده قول الشعبي ” ثلاثة يستفتي بعضهم من بعض، فكان عمر وعبد الله وزيد بن ثابت يستفتي بعضهم من بعض، وكان علي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري يستفتي بعضهم من بعض ” وقد أثنى العديد من الصحابة والتابعين على عبد الله بن مسعود، فقال عمر بن الخطاب عنه حين أرسله إلى الكوفة ” كنيف ملئ علما، آثرت به أهل القادسية ” وقال حذيفة بن اليمان ” ما أعلم أحدا أقرب سمتا ولا هديا ولا دلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يواريه جدار بيته من ابن أم عبد، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله وسيلة يوم القيامة ”
فقد قال أبو الدرداء الأنصاري يوم أتاه نعي ابن مسعود رضى الله عنه ” ما ترك بعده مثله ” ومن التابعين قال مسروق بن الأجدع عن بن مسعود ” شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة، وهم علي وعمر وعبد الله وزيد وأبي الدرداء وأبيّ، ثم شاممت الستة، فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله ” وقال أبو وائل شقيق بن سلمة ” ما أعدل بابن مسعود أحدا” وقال الشعبي ” ما دخل الكوفة أحد من الصحابة أنفع علما، ولا أفقه صاحبا من عبد الله بن مسعود” وكان بن مسعود يقرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أحفظ الصحابة له، وفوق الحفظ كان عالما بالتفسير، مجتهدا في فهمه والوقوف على آياته حتى يعمل بها كما يُرضي الله سبحانه.
حتى شهد له الصحابة بذلك، وقد كان من أكثر من نقل عنه في مجال تفسير القرآن الكريم بعد ابن عباس رضي الله عنهما، وعن الأسود وعلقمة قالا أتينا عبد الله بن مسعود في داره، فقال أصلى هؤلاء خلفكم، فقلنا لا، قال فقوموا فصلوا، فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة، وذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا وطبق بين كفيه ثم أدخلهما بين فخذيه، فلما صلى قال ” إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ويخنقونها إلى شرق الموتى، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك فصلوا الصلاة لميقاتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعا وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم.
وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ وليُطبق بين كفيه، فلكأنى أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراهم” وعن عبد الله بن مسعود قال ” من سرّه أن يلْقَى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم، سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف”