الدكرورى يكتب عن عبد الله بن مسعود الهُذلي “جزء 9”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عبد الله بن مسعود الهُذلي “جزء 9”
ونكمل الجزء التاسع مع عبد الله بن مسعود الهُذلي، ولما طلب عثمان بن عفان من زيد بن ثابت كتابة مصحفه وحرق ما دونه من نسخ، قال بن مسعود ” قد علم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أني أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله منى تبلغنيه الإبل لأتيته ” وقال الذهبي إنما شق ذلك على ابن مسعود، لكون عثمان ما قدمه على كتابة المصحف، وقدّم في ذلك من يصلح أن يكون ولده، وإنما عدل عنه عثمان لغيبته عنه بالكوفة، ولأن زيدا كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن زيدا هو الذي ندبه الصديق لكتابة المصحف وجمع القرآن، وقد ورد أن ابن مسعود رضى بعد ذلك وتابع عثمان، وقد أوتي بن مسعود من الحكمة والعلم باعا كثيرا.
وقد روي في الغريب من الحديث “مرض عبد الله بن مسعود فعاده عثمان، فقال له ما تشتكي؟ فقال ذنوبي قال ما تشتهي؟ قال رحمة ربي، قال ألا أدعو لك الطبيب؟ قال الطبيب أمرضني، قال ألا آمر لك بعطاء؟ قال لا حاجة لي فيه، قال يكون لبناتك، قال أتخشى على بناتي الفقر وقد أمرت بناتي لأن يقرأن في كل ليلة سورة الواقعة، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول ” من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا” وكان من تواضع بن مسعود، أنه خرج ذات يوم فأتبعه ناس, فقال لهم ” ألكم حاجة؟ فقالوا، لا, ولكننا نريد أن نسير معك, فقال لهم ” ارجعوا فإن ذلك ذلة للتابع وفتنة للمتبوع ” وقد روى قيس بن جبيـر عنه قال عبد الله ” حبذا، أي نعم.
المكروهان الموت والفقر، وأيم الله إن هو إلا الغنى والفقر وما أبالي بأيهما بليت إن حق الله في كل واحد منهما واجب وإن كان الغني إن فيه للعطف على المساكين وإن كان الفقر إن فيه للصبر” ولقد كانت تجري الحكمة على لسانه، ومن ذلك أنه قال ” ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية لله” وقد أتاه رجل فقال له ” علمني يا ابن مسعود كلمات لكن جوامع نوافع ” فقال ابن مسعود ” لا تشرك بالله شيئا, ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا, ومن جاءك بالباطل فاردده عليه وإن كان حبيبا قريبا” وقال بن مسعود أيضا ” والله الذي لا إله سواه ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان” وقال له رجل ” أوصني يا ابن مسعود” فقال له ” فليسعك بيتك, واكفف لسانك وابك على ذكر خطيئتك ”
وعنه أيضا أنه قال ” ارض بما قسم الله تكن من أغنى الناس, واجتنب المحارم تكن من أورع الناس وأد ما افترض عليك تكن من أعبد الناس، ومن زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع ما زرع لا يسبق بطئ بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدّر له فمن أعطى خيرا فالله أعطاه ومن وُقي شرا فالله وقاه، والمتقون سادة والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة “وحين مرض عبد الله بن مسعود مرض الموت عاده عثمان بن عفان، أى زاره فى مرضه، فهو صاحب النعل والوسادة، وكان لعبد الله بن مسعود مكانة كبيرة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان هو الوحيد من الصحابة الذي من حقه قصد باب الرسول صلى الله عليه وسلم.
في أي وقت وقد كان رضي الله عنه برفقته طوال الوقت، دائم الحرص على خدمته، مستعدا للتضحية بروحه من أجله، فكان يداوم على تنظيف وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل نومه، وكما كان يساعده في ارتداء حذائه، ولهذا السبب أطلق عليه الصحابة صاحب النعل والوسادة وكما كان يُدخل يديه داخل حذاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن ينزعه الرسول صلى الله عليه وسلم من قدميه، ويروى أنه رضي الله عنه صعد في أحد الأيام إلى نخلة لما أراد أن يحضر منها بعض التمر من أجل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه ذا ساق نحيلة جدا، فلما رآه الصحابة ورأوا حال رجله ضحكوا وسخروا منها، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبب الضحك.
لما فطن من سخريتهم له، قائلا ” مم تضحكون ؟ لرجل عبد الله بن مسعود أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد ” كذلك كان رضي الله عنه كاتم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان من الفقهاء أصحاب العلم قال عنه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه “علم القرآن والسنة” وقد توفى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود في السنة الثانية والثلاثين من الهجرة النبوية، عن بضع وستين سنة، وذلك بعد أن أصابه مرض شديد توفي على إثره، ودفن بالبقيع في المدينة المنورة، وقيل أنه ترك رضي الله عنه إرثا يبلغ تسعين ألف درهم وبعض الماشية والرقيق، وكان رضي الله عنه قد أوصى إلى الصحابي الزبير بن العوام بالتصرف في أمواله هو وابنه عبد الله بن الزبير، وكذلك الموافقة على زواج بناته، فلم تتزوج إحداهن إلا بموافقة الزبير وابنه رضي الله عنهم أجمعين.