الدكرورى يكتب عن مسلم بن عقيل الهاشمي “جزء 7”
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
مسلم بن عقيل الهاشمي “جزء 7″ونكمل الجزء السابع مع مسلم بن عقيل الهاشمي، وقد كتب يزيد بن معاوية رسالة إلى واليه في البصرة، عبيد الله بن زياد، يطلب منه أن يذهب إلى الكوفة، ليسيطر على الوضع فيها، ويقف أمام مسلم رضى الله عنه، وتحركاته، ومنذ وصول ابن زياد إلى قصر الإمارة في الكوفة، أخذ يتهدد ويتوعد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد، ولما سمع مسلم رضى الله عنه، بوصول ابن زياد، وما توعد به، خرج من دار المختار سرّا إلى دار هاني بن عروة ليستقر بها، ولكن جواسيس ابن زياد عرفوا بمكانه، فأمر ابن زياد بإلقاء القبض على هاني بن عروة وسجنه، ولما بلغ خبر إلقاء القبض على هاني بن عروة إلى مسلم، أمر رضى الله عنه.
أن ينادى في الناس، يا منصور أمت، فاجتمع الناس في مسجد الكوفة، فلما رأى ابن زياد ذلك، دعا جماعة من رؤساء القبائل، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة، ويخذلوا الناس عن مسلم، ويعلموهم بوصول الجند من الشام، فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول، انصرف الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له، غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرقون حتى أمسى مسلم وحيدا، ليس معه أحدا يدله على الطريق، فمضى على وجهه في أزقة الكوفة، حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها، طوعة، وهي على باب دارها تنتظر ولدا لها، فسلم عليها.
وقال، يا أمة الله أسقيني ماء، فسقته وجلس، فقالت يا عبد الله، قم فاذهب إلى أهلك؟ فقال يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل، فهل لك في أجر ومعروف، ولعلي أكافئك بعد اليوم؟ فقالت ومن أنت؟ قال أنا مسلم بن عقيل، فأدخلته إلى دارها، مقاتلته لجيش ابن زياد، وفي الصباح عرف ابن زياد مكان مسلم رضى الله عنه، فأرسل جماعة لإلقاء القبض عليه، ولكن مسلم أخذ يقاتلهم قتال الأبطال، وهو يقول أقسمت لا أقتل إلا حرا، إني رأيت الموت شيئا نكرا كل امرئ يوما ملاق شرا، أخاف أن أكذب أو أغرا حتى أثخن بالجراحات، وبعد أن بعث ابن زياد العيون للبحث عن مسلم رضى الله عنه, وبعد ان عثروا على مكان تواجده في بيت طوعة.
تجهزت الجيوش لاعتقال مسلم رضى الله عنه, إلا أنه لم يسلم نفسه, فتجهز لملاقاة تلك الجموع غير آبه بعددهم وعدتهم, وأخذ يجندل الأبطال, ويكسر الكتائب, فبعث ابن الأشعث لابن زياد يطلب المدد, فاستغرب ابن زياد لعنه الله ورد قائلا، اني ارسلتك لرجل واحد، فرد ابن الاشعث قائلا أتحسب أنك ارسلتني إلى دهقان من دهاقنة الكوفة, لقد ارسلتني إلى بطل من أبطال العرب ولم تصمد الجيوش أمام بسالة وإقدام مسلم رضى الله عنه, فعمدوا إلى الحيلة والغدر, وهذه شيمتهم, فحفروا حفيرة في الأرض وغطوها, ولما مر مسلم رضى الله عنه, عليها سقط فيها, وأجهز عليه القوم طعنا بالرماح, ورميا بالنبال, وضربا بالحجارة, حتى إذا خارت قواه أوثقوه وبعثوا به لابن زياد لعنه الله، فألقوا عليه القبض.
وأخذوه أسيرا إلى ابن زياد، وقد دخل مسلم رضى الله عنه، على ابن زياد، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعلى وعقيل رضى الله عنهم أجمعين، ومسلم رضى الله عنه، لا يكلمه، ثم قال ابن زياد، اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه، ثم أتبعوه جسده، فأخذه بكر بن حمران الأحمري ليقتله، ومسلم يكبّر الله ويستغفره، ويصلي على النبي وآله ويقول ” اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا ” وهكذا فقد أمر بن زياد بقطع رأس مسلم رضى الله عنه, وأن يرمى جسمه من أعلى قصر الإمارة, وأن يمثل بجثته, وأن تسحل بالحبال في أسواق الكوفة, وما هذه الأوامر من ابن زياد إلا دليل على بعد هذا النكرة عن قيم الإسلام الأصيلة, وعن القيم الإنسانية, وتعكس الهوة الأخلاقية بين مسلم الذي رفض الفتك بابن زياد غدرا.
وبين ابن زياد الذي يقطع الرؤوس ويمثل بالجثث، ثم أمر ابن زياد بقتل هاني بن عروة فقتل، وجرّت جثتا مسلم وهاني بحبلين في الأسواق، وقد استشهد مسلم رضى الله عنه، في الثامن من ذي الحجة, وفي رواية في التاسع من ذي الحجة, أي يوم عرفة, ورميت جثته من أعلى القصر, وسحلت في الأسواق بالحبال, وراح شهيدا حميدا ناصحا لله ولرسوله, مؤديا الأمانة التي كلفه بها الإمام الحسين رضى الله عنه، فكان نعم السفير الناصح، فسلام عليك يابن عقيل, يوم ولدت ويوم استشهدت وهكذا فقد استشهد مسلم رضى الله عنه، ودفن في الكوفة، وقبره معروف يزار إلى يومنا هذا.