الدكروى يكتب عن سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع سمات المؤمنين والمتقين، وإن اختياراسم المؤمنين لهذه السورة لأنه جاء في بدايتها آيات شرحت بعبارات وجيزة معبّرة صفات المؤمنين، ومما يلفت النظر أنها أشارت إلى مستقبل المؤمنين السعيد قبل بيان صفاتهم، إستنارة للشوق في قلوب المسلمين للوصول إلى هذا الفخر العظيم بإكتساب صفة المؤمنين، فتقول الآية الكريمة ” قد أفلح المؤمنون” وكلمة “أفلح” مشتقة من الفلح والفلاح، وتعني في الأصل الحرث والشق، ثم أطلقت على أي نوع من النصر والوصول إلى الهدف والسعادة بشكل عام، والحقيقة أن المنتصرين يزيلون من طريقهم كلّ الموانع والحواجز لينالوا الفلاح والسعادة، ويشقون طريقهم لتحقيق أهدافهم في الحياة.
ولكلمة الفلاح معنى واسعا بضم الفلاح المادي والمعنوي، ويكون الإثنان للمؤمنين، فالفلاح الدنيوي أن يحيا الإنسان حرّا مرفوع الرأس عزيز النفس غير محتاج، ولا يمكن تحقيق كل ذلك إلا في ظلال الإيمان والتمسك بالله وبرحمته، أما فلاح الآخرة فهو الحياة في نعيم خالد إلى جانب أصدقاء جديرين طاهرين، حياة العز والرفعة، وأن الفلاح الدنيوي في ثلاثة أشياء وهو البقاء والغنى والعز، وأما الفلاح الاخروي ففي أربعة أشياء، بقاء بلا فناء، وغناء بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل، ثم تشرح الآية هذه الصفات فتؤكد قبل كل شيء على الصلاة فتقول ” الذين هم فى صلاتهم خاشعون” وكلمة خاشعون هى مشتقّة من خشوع، بمعنى التواضع.
وحالة التأدب يتخذها الإنسان جسما وروحا بين يدي شخصية كبيرة، أو حقيقة مهمة تظهر في الإنسان وتبدو علاماتها على ظاهر جسمه، والقرآن اعتبر الخشوع صفة المؤمنين، وليس إقامة الصلاة، إشارة منه إلى أن الصلاة ليست مجرد ألفاظ وحركات لا روح فيها ولا معنى، وإنما تظهر في المؤمن حين إقامة الصلاة حالة توجه إلى الله تفصله عن الغير وتلحقه بالخالق، ويغوص في إرتباط مع الله، ويدعوه بتضرع في حالة تسود جسمه كله، فيرى نفسه ذرة إزاء الوجود المطلق لذات الله، وقطرة في محيط لا نهاية له، وإن لحظات هذه الصلاة درسا للمؤمن في بناء ذاته وتربيتها، ووسيلة لتهذيب نفسه وسمو روحه، وقد جاء في حديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
حين شاهد رجلا يلهو بلحيته وهو يصلي قوله ” أما لو خشع قلبه لخشعت جوارحه” إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن الخشوع الباطني يؤثر في ظاهر الإنسان، وكان كبار قادة المسلمين يؤدون صلاتهم بخشوع حتى تحسبهم في عالم آخر، يذوبون في الله، حيث نقرأ عنهم في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنه كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته، فلما نزلت الآية طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى الأرض” وثاني صفة للمؤمنين بعد الخشوع مما تذكره الآية ” والذين هم عن اللغو معرضون” حقّا نرى جميع حركات وسكنات المؤمنين تتجه لهدف واحد مفيد وبناء، لأن اللغو، يعني الأعمال التافهة غير المفيدة، وكما قال بعض المفسرين فإن اللغو كل قول أو عمل لا فائدة فيه.
وإذا فسر البعض اللغو بالباطل، وبعض فسره بالمعاصي كلها، وآخر بمعنى الكذب وآخر السباب أو السباب المتقابل والبعض الآخر قال إنه يعني الغناء واللهو واللعب وآخر إنه الشرك، فإن هذه المعاني مصاديق ذلك المفهوم العام، وطبيعي أن اللغو لا يشمل الأفعال والكلام التافه فقط، وإنما يعني الآراء التافهة التي لا أساس لها، التي تنسي العبد ربه وتشغله بها دون الامور المفيدة، إذن فاللغو يتضمن كل هذا، والحقيقة أن المؤمنين لم يخلقوا من أجل الإنشغال بآراء باطلة أو كلام تافه، بل هم معرضون عنها، كما قال القرآن الكريم، وتشير الآية الثّالثة إلى ثالث صفة من صفات المؤمنين الحقيقيين، وهي ذات جانب إجتماعي ومالي حيث تقول ” والذين هم للزكاة فاعلون”