سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 7″

الدكروى يكتب عن سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 7″

ونكمل الجزء السابع مع سمات المؤمنين والمتقين، وقد وردت في تفسير الأمانة بأنها أمانة الأئمة المعصومين أي ينقلها كل إمام إلى وارثه، وأحيانا تفسير الأمانة بأنها الولاية بشكل عام، وهناك تعابير قرآنية عديدة تدل على عمومية وشمولية العهد، منها “وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم” والجدير بالملاحظة أن بعض آيات القرآن عبّرت عن ذلك العهد بأداء الأمانة وعدم خيانتها والمحافظة عليها، ورعاية الأمانة التي استعملت في الآية السابقة تضم معنى الأداء والمحافظة، فعلى هذا فان التقصير في المحافظة على الأمانة والذي يؤدّي إلى وقوع ضرر أو تعرضها للخطر، يوجب على الأمين إصلاحها وبهذا تترتب ثلاثة واجبات على الأمين وهم الأداء، والمحافظة، والإصلاح.

فلابد أن يكون الإلتزام بما تعهد به المرء والمحافظة عليه، وأداء الأمانة من أهم القواعد في النظام الإجتماعي، ودون ذلك يسود التخبط في المجتمع، ولهذا السبب نرى شعوبا لا تتمسك عامتها بالدين، إلا أنها سعيا منها لمنع الإضطراب، تفرض على نفسها رعاية العهد والأمانة، وتعتبر نفسها مسؤولة أمام هذين المبدأين في أقل تقدير، في القضايا الإجتماعية العامة، ومن صفات عباد الرحمن، أنه سبحانة وتعالى يقول فى سورة الفرقان ” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما، إنها ساءت مستقرا ومقاما، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما”

ومعنى كلمة هونا فالهون هو الرفق واللين والناعم والهادي المتواضع، ومعنى يسرفوا، فالاسراف مجاوزة الحد، ومعنى يقتروا، هو أن التقتير التضيق، ومعنى قواما، فالقوام وسط بينهما، وهذه الآيات تستعرض بحثا جامعا فذا حول الصفات الخاصة لعباد الرحمن، إكمالا للآيات الماضية حيث كان المشركون المعاندون حينما يذكر اسم الله الرحمن، يقولون وملء رؤوسهم استهزاء وغرور، وما الرحمن؟ ورأينا أن القرآن يعرّف لهم الرحمن ضمن آيتين، وجاء الدور الآن ليعرّف عباد الرحمن، وتبيّن هذه الآيات اثنتي عشرة صفة من صفاتهم الخاصة، حيث يرتبط بعضها بالجوانب الإعتقادية، وبعض منها أخلاقي، ومنها ما هو إجتماعي، بعض منها يتعلق بالفرد.

وبعض آخر بالجماعة، وهي أولا وآخرا مجموعة من أعلى القيم الإنسانية، فإن أول صفة لعباد الرحمن هو نفي الكبر والغرور والتعالي، الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان حتى في طريقة المشي، لأن الملكات الأخلاقية تظهر نفسها في حنايا أعمال وأقوال وحركات الإنسان بحيث أن من الممكن تشخيص قسم مهم من أخلاقه من أسلوب مشيته، فإنهم متواضعون، والتواضع مفتاح الإيمان، في حين يعتبر الغرور والكبر مفتاح الكفر، ولقد رأينا بأعيننا في الحياة اليومية، وقرأنا مرارا في آيات القرآن أيضا، أن المتكبرين المغرورين لم يكونوا مستعدين حتى ليصغوا إلى كلام القادة الإلهيين، كانوا يتلقون الحقائق بالسخرية، ولم تكن رؤيتهم أبعد من أطراف أنوفهم.

ترى أيمكن أن يجتمع الإيمان في هذه الحال مع الكبر؟ فهؤلاء المؤمنون، عباد ربهم الرحمن، والعلامة الأولى لعبوديتهم هو التواضع، والتواضع الذي نفذ في جميع ذرات وجودهم، فهو ظاهر حتى في مشيتهم، فإذا رأينا أن إحدى أهم القواعد التي يأمر الله بها نبيه وهى كما قال تعالى ” ولا تمشى فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا” فلنفس هذا السبب أيضا، وهو أن التواضع روح الإيمان، فإذا كان للإنسان أدنى معرفة بنفسه وبعالم الوجود، فسيعلم كم هو ضئيل حيال هذا العالم الكبير، حتى وإن كانت رقبته كالجبال، فإن أعلى جبال الأرض أمام عظمة الأرض أقل من القليل بالنسبة إليها، تلكم الأرض التي هي نفسها لا شيء بالنسبة الى الأفلاك العظيمة.