الآباء والتفريط فى حق المجتمع ” جزء 10″

الدكرورى يكتب عن الآباء والتفريط فى حق المجتمع ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الآباء والتفريط فى حق المجتمع ” جزء 10″

ونكمل الجزء العاشر مع الآباء والتفريط فى حق المجتمع، أما ركن الصفوة، التي تعبّر عما يجب أن يتحلى به المجتمع المسلم من صفات حميدة، وأخلاق فاضلة، وما يجب أن يتخلى عنه من أخلاق سيئة، وأفعال مشينة فقد استطاع المحاربون لشرع الله أن يؤثروا في هذا العماد أيضا، فلم تعد الأخلاق كما كانت في سابق عهدها إذ يستطيع من شاء أن يقوم بما شاء دون خجل أو استحياء، بل حتى من يرى ذلك لا ينكر منكرا ولا يدعو إلى معروف، فأصبحت العلاقات الجنسية والتبرج والسفور أمورا عادية، نشاهدها في حياتنا اليومية وكأنها من صميمها، وآخر ركن تستند عليه الهوية في مجتمعنا، وهو الحال، وهو مرتبط بصفاتنا التي نتصف بها.

فيغني القارئ عن معرفة حال أمته أن يشاهد نشرة أخبار واحدة فقط ليرى ما وصل إليه حال الأمة من سفك دماء، واغتصاب أعراض، وتشرذم وتفرقة، وعداوة وبغضاء، فيجد أمة عنوانها البارز حروب، وفتن، واقتتال، أما قوله تعالى ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” فكأنها ليست حكما ولا آية تتلى، ثم تمعن جيدا بعد ذلك في شرع الله لتجده مغيبا لا مكان له في الأمة، فنسيت الأمة، قوله تعالى ” وأن احكم بينهم بما أنزل الله” فأصبح حالها يبكي العين، ويُحزن القلب، هكذا عملت التيارات المعادية للدين وأسيادهم في الغرب على إنزال الهوية التي كانت معززة مكرمة في عرشها المتين، وذلك بنخر وزعزعة أركانها التي تستند عليها.

فأصبحت الأمة ليست كما كانت في سالف عهدها، تغيرت ثقافتها، وتغيرت حضارتها، حتى أصبحت بعض المدن الكبرى يُخيل إلى الداخل إليها وكأنه في بلاد أوروبا، لكن ومع ذلك كله فالأمة ما زالت تدافع وتجاهد من أجل أن تحافظ على هويتها وثقافتها، ومن أجل أن يبقى دينها ناصعا كما قال تعالى فى سورة البقرة ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض” فإن كلام الله جل جلاله ألا وهو القرآن الكريم الذي لو أنزله الله على جبل لتصدع الجبل من خشية الجليل، فكيف تخشع الجبال للقرآن ولا تخشع القلوب؟ سؤال مرير كيف تتصدع الجبال للقرآن ولا تتحرك له القلوب، وينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف، فالصنف الأول هو ميت القلب.

فهذا لو سمع القرآن كله ما تدبر وما تأثر، والصنف الثاني وهى حي القلب لكنه معرض عن القرآن، حي القلب لكنه لا يسمع بأذن رأسه ولا بأذن قلبه لآيات الله المتلوة، ومن ثم هو لا يتأثر البتة بآيات الله المتلوة والمرئية في الكون لأنه معرض بسمعه وقلبه عن الله جل وعلا هؤلاء هم أهل الغفلة عياذا بالله، والصنف الثالث وهو حي القلب منتفع بالآيات المتلوة والمرتبة، فرجل حي القلب ومع ذلك إذا سمع من الله أصغى بسمعه واستجمع كل كيانه وكل جوارحه بإنصات وخشوع ليسمع عن الله إذا سمع ربه يقول ” يا أيها الذين آمنوا” أصغى بسمعه وانتبه غاية الانتباه لأن الذي ينادى عليه ربه، فإما خيرا سيأمر به وإما شرا سينهى عنه، فإذا تلى عليه القرآن الكريم.

تأثر فخشع قلبه واقشعرت جوارحه وانطلق ليحول هذا الكلام الغالي الجليل إلى واقع عملي في دنيا الناس، وهذا هو الذي ينتفع بآيات الله المتلوة وآيات الله المشهودة أي المرئية في الكون من عرشه إلى فرشه، فالقرآن تخشع وتتصدع له الجبال ولا تتحرك له القلوب الموات لذا قال عثمان رضى الله عنه والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا، فإن من الواجب على قارئ القرآن الكريم أن يتأدب بآدابه، ويتخلق بأخلاقه، ويتمسك بتعاليمه، فبأخلاقه يتحرر الإنسان من أهوائه وشهواته، وتتقوى نفسه بالأخلاق القويمة، قال تعالى فى سورة الإسراء “إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا” وأسوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد كان قرآنا يمشي على الأرض، يتخلق بخلقه، يرضى برضاه، ويسخط لسخطه.