الدكرورى يكتب عن الحـــق نـــور ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الحـــق نـــور ” جزء 1″
إن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق، فإن على الحق نورا، وقد قال الصحابى الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه “وإن على الحق نورا” هذا النور لا يمكن رؤيته إلا بعد التجرد لله سبحانه وتعالى دون مخالطة حظ أو هوى، فالقلب إذا تجرد لله تعالى وأخلص لله في العبادة وقصد معرفة الحق بصدق فسوف يريه الله عز وجل ذلك النور الذى يعلو الحق، وإن لله تعالى سننا فى خلقه لا بد أن تجرى وتتم، ومن تلك السنن الثابتة التي لا تتبدل سنة الصراع بين الحق والباطل، فالباطل لا يحب أن يترك الحق فى أمان حتى يكون معه على باطله، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا”.
ولا يمكن أن يرضى الباطل عن الحق حتى يلحق بسوئه، فمن قبل دعوة الباطل من أهل الحق فإنها الخسارة والخزى، إن الحق هو الإسلام والطاعة والسنة والخير، وأهله هم الأنبياء والرسل وأتباعهم المقتدون بهم، والباطل هو الكفر والمعصية والبدعة والشر، وأهله هم إبليس وأتباعه وجنده من الكفرة والفسقة والعصاة والمبتدعة، وأصحاب الشبهات والشهوات، وإن تاريخ الصراع بين الحق والباطل تاريخ طويل قد بدأ في السماء قبل الهبوط إلى الأرض، فقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام بيده، وأمر الملائكة بالسجود له، وكان من ضمن الحاضرين إبليس فأبى السجود لآدم حسدا وبغيا، فصدر الحكم الإلهي بالطرد من رحمة الله تعالى للشيطان.
فابتدأت المعركة والصراع، فأمر الله تعالى آدم عليه السلام بالعيش في الجنة وأن لا يأكل من شجرة معينة، وبدافع العداوة وسوس الشيطان لآدم أن يأكل من تلك الشجرة، فأكل منها ناسيا نهى ربه فعاتبه ربه فاستغفر وأناب فغفر له، فجاء بعد ذلك الأمر بالهبوط إلى الأرض لتبدأ المعركة الطويلة بين الحق والباطل، فإن الحق وأهله يحبون أن يعيش الناس فى أمان وسلام مبنيين على الاستسلام لشرع الله ودينه، لكن أهل الباطل لا يريدون لهم ذلك ولهذا شبوا نار العداوة والحرب للحق وأهله لعدة أسباب، أولاها الحسد، ويذكر أن الأخنس بن شريق قال لأبى جهل “ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف في الشرف.
أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى يأتيه الوحى من السماء فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه” وإن ثانيها العصبية للدين الباطل أو للجنس أو للعرق، وإن ثالثها هو الخوف على ذهاب الجاه والمنصب الحاصلين في ظل الباطل، فعن سعد قال كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم “اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل كما جاؤ فى سورة الأنعام.
” ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين” وإن رابعها أيضا هو التقليد للآباء والقادة، وهكذا فإن أهل الباطل يواجهون أهل الحق في معركة الصراع المحتدم مواجهة شرسة مستخدمين في ذلك، وسائل متعددة، لعلهم أن يضيفوا أهل الحق إلى صفهم، أو أن يتخلصوا منهم إذا لم يستجيبوا لدعوتهم، ولذلك نجدهم يستخدمون في البداية الإغراء والترغيب، فقد عرضت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجاه والمال والزواج والطب فأبى ذلك كله، ثم يترقون بعد ذلك إلى الحرب الاقتصادية وتجفيف منابع المال والفصل من الوظائف.