الدكرورى يكتب عن النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 11″
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 11″
ونكمل الجزء الحادى عشر مع النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، ولم يصدق النعمان أنه قد أفلت من مالك، فما كاد مالك ينتهي من كلامه حتى ركض مسرعا وركب بعيره ليبتعد بما يستطيع عن مالك وهو يسير على غير هدى وبقي في الصحراء ثلاثة أيام لا يدري إلى أين تقوده راحلته ؟ بل لا يدري أين هو؟ ثم وجد ضالته فبينما هو يسير إذ رأى قرية صغيرة فوقف ليستجلي الخبر, ومع من هذه القرية ؟ فعلم أنه عند بني القين وهم حي من أتباع معاوية فلما دخل القرية وقد أقاموا حول الماء تنفس الصعداء حين التقى من هم على معاوية فأمن عندهم، ولما وصل إلى معاوية شارك زميله أبا هريرة تحريضه بدعوى المطالبة بدم عثمان بن عفان، وكان من الطبيعي أن يقف النعمان.
في صف جيش معاوية في حرب صفين ولم يكن مع معاوية من الأنصار غيره وغير مسلمة بن مخلد ولم تكن له في أيام صفين ولا غيرها مبارزة واحدة, وقيل أن النعمان وقف في صفين وخاطب زعيم الأنصار وسيدهم قيس بن سعد بن عبادة رضوان الله عليه، فقال له “يا قيس بن سعد، أما أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه ويقصد معاوية، إنكم معشر الأنصار أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار، وقتلتم أنصاره يوم الجمل، وإقحامكم على أهل الشام بصفين، فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا كان هذا بهذا, ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا, ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس، حتى أشعلتم الحرب ودعوتم إلى البراز، فقد والله وجدتم رجال الحرب من أهل الشام سراعا إلى برازكم.
والله لا تزالون أذلاء في الحرب أبدا, إلا أن يكون معكم أهل الشام، وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم، ونحن أحسن بقية, وأقرب إلى الظفر، فاتقوا الله في البقية” وقيل أن قيس بن سعد عندما سمع هذا الكلام، وإنه يصف الأنصار بالأذلاء بوقوفهم مع الإمام علي ثم يقول الآن ونحن أقرب إلى فقيل أنه ضحك قيس من هذا القول فهو يعرف النعمان وصغره ولكنه آثر بأن يجيبه فقال له ” والله ما كنت أراك تجترئ على هذا المقام, أما المنصف المحق فلا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش لنفسك، المبطل فيم انتصح غيره، أما ذكرك عثمان، فإن كان الإيجاز يكفيك فخذه، قتل عثمان من لست خيرا منه، وخذله من هو خير منك، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث.
وأما معاوية, فلو اجتمعت العرب على بيعته لقاتلهم الأنصار، وأما قولك إنا لسنا كالناس، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا, حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان، هل ترى مع معاوية إلا طليقا إعرابيا، أو يمانيا مستدرجا؟ وانظر أين المهاجرون والأنصار، والتابعون بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ثم انظر، هل ترى مع معاوية غيرك وغير صويحبك مسلمة بن مخلد ولستما والله بدريين ولا عقبيين ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن” ولقد كانت عقدة عين التمر مؤثرة على النعمان, فأبوه قُتل فيها مع خالد بن الوليد في هجومه عليها, وهو كادت روحه تخرج من جسده.
وقلبه يتوقف من الرعب عندما قبض عليه مالك بن كعب الأرحبي حتى خلصه قرظة منه, فبقيت أحداث تلك الأيام تؤرقه وبقي يتحين الفرصة لأخذ ثأره ورد اعتباره للإهانة التي وجهها إليه مالك, والذل الذي كان عليه وهو يتوسل إليه بأن يطلق سراحه, وأخيرا حانت الفرصة، وقيل أنه كان معاوية قد بدأ بسياسة شن الغارات على المدن والقرى فكان يستدعي أتباعه ويأمرهم بشن الغارات وترويع الناس وقتل كل من يجدوه من شيعة الإمام على وسلبهم ونهبهم وقيل أنه لم يُستثنى من القتل حتى النساء والأطفال، وكان يختار لهذه العمليات أمثال الضحاك بن قيس الفهري, وبسر بن أرطأة المري, وسفيان بن عوف الغامدي وغيرهم، وكان من ضمن الذين اختارهم أيضا هو النعمان بن بشير.