النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 18″

الدكرورى يكتب عن النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 18″

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 18″

ونكمل الجزء الثامن عشر مع النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، فقالوا، لو لم يشترط القبض في الهدية والهبة لنفذت هبة أبي بكر الصديق لابنته السيدة عائشة، رضى الله عنهما، ولما لم تقبضها رجعت الهبة إلى مال الواهب وأصبح مال وارث فهنا بشير لما منح ولده أولا البستان يقولون الوالد لا يقبض عن ولده إلا إذا كان في النقدين، فإذا كانت الهبة من النقدين الذهب والفضة، قال مالك، لا يصح للوالد أن يقبض لولده هبة الذهب والفضة، ولو حتى عزلها وختمها وأبعدها عن ماله مميزة عنه، ولكن يشترط أن يخرجها من تحت يده، ويجعلها تحت يد رجل أمين تكون عنده مخافة فيما بعد، فلو مات الواهب والحال أنه كان قد وهب ولده جزءا من المال وبقي المال تحت يده في صندوقه مع عموم ماله، لربما ادعى الورثة أنه مال أبيهم، وأنه في التركة.

لكن عندما يخرجه إلى يد غيره لا يمكن أن يدعوا ذلك، إذا، لابد من اشتراط القبض في الهبة، والقبض كما يقال إن كان مكيلا أو موزونا، أو منقولا فبنقله عن مكانه، وإن كان ثابتا فبالتخلية بينه وبين الموهوب له، وهنا عمرة بنت رواحة لما قالت لا أقبل، سبب ذلك أنه كان قد سبق من زوجها أن منح ولدها النعمان ثم رجع في منحته، ويقولون إنه وإن كان يقبض عن الصغير إلا أن للوالد أن يرتجع في هبته لولده، وليس هذا لغير الوالد من جد أو أخ أو عم أو غير ذلك، وقد اختلف في الأم هل لها أن ترجع في هبتها لولده ؟ فالحنابلة عندهم رواية عن أحمد رحمه الله، أنها لها ذلك لقوله ” اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم” والأم والدة، وعند المالكية أن الأم لا تملك حق الرجوع في الهبة، لأن الوالد له ولاية على الولد، وهذه ليست موجودة للأم عليه، وجاء النص ” أنت ومالك لأبيك”

وهل تلحق الأم بذلك أم لا ؟ قالوا وإن لحقت به في الأخذ من مال ولدها لحاجتها، فلا تلحق به في حق استرجاعه مما أعطى ولده، ثم يأتون إلى العطية بين الزوجين، فقالوا إذا أعطى الزوج زوجته عطية فلا يحق له أن يرتجعها، والقبض والإذن في ذلك حاصل لأنهما معا في البيت، والمرأة إذا وهبت لزوجها هبة، قالوا من حقها أن ترجع ومن حقها أن تمضي، لما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه قال النسوة يهبن رغبة ورهبة، ومعنى رغبة هو أن تستجلب محبة الزوج، ومعنى رهبة، هو من أن يوقع بها ما يسوءها، ومخافة أن يتزوج عليها، أو أن يسيء عشرتها، أو أن يقصر معها فيما يفعل مع زوجاته الأخريات، وقالوا أيضا أن لها أن ترجع ، لأنه يتوجه إليها الرغبة والرهبة، إذا الهبة بين الزوجين، فالزوج إذا وهب لا يرجع في هبته، والزوجة إذا وهبت لها أن ترجع في هبتها.

لأن عندها علة ليست موجودة عند الزوج، وهنا عمرة طلبت من زوجها أن يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، منحته زوجها لولدها، ويقول ابن حجر نقلا عن بعض العلماء هذا من شؤم التشدد والتنطع، فلو أنها قبلت عطاء زوجها لولدها لمضى الغلام في عطية الوالد، لكنها تعنتت وتشددت وطلبت أن يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم ” ألك ولد؟ هذا كما يقولون، وهو وجوب الاستفصال من المفتي، إذا استفتاك إنسان وكان الموقف فيه احتمالات بين جواز الأمر أو منعه، فعليك أن تستفصل، فهنا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألك ولد ؟ فقال نعم، قال صلى الله عليه وسلم ” أكل ولدك منحته ذلك ؟ قال لا، قال ارتجعه” وقال صلى الله عليه وسلم ” لا أشهد على جور” وقال ” أشهد عليه غيري” وكل هذه الألفاظ جاءت، والذين يقولون ليس للوالد الرجوع بالكلية.

في أي حالة من الحالات أجابوا عن هذه الألفاظ وهذه الروايات في هذا الحديث بأجوبة، أما عن قوله صلى الله عليه وسلم ” أشهد عليه غيري” يقول الشافعي إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلمه بأن الهدية باطلة، ولكنه قال أنا بصفتي رسولا لا أشهد على مثلها، ويقولون إنه كحاكم وقاض لا يكون شاهدا، وكما جاء عن عمر رضي الله عنه جاء رجل يحتكم إليه ويشتكي خصما له، فقال ائتني بشهود، قال أنت أحد الشهود، قال أنا لا أكون شاهدا وقاضيا، إن أردتني شاهدا فتقاضى إلى غيري أشهد عنده، وإن أردتني قاضيا فأتني بشهود، أي أن الإنسان لا يكون في وقت واحد شاهدا وقاضيا وبعضهم يقول في قوله صلى الله عليه وسلم ” أشهد عليه غيري، فإني لا أشهد على جور” وهو يبدو والله أعلم لولا مجيء قوله ” لا أشهد على جور” وقوله ” أشهد عليه غيري”

فيكون هناك توجيه لما هو الأفضل والأكمل لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بادئ الأمر إذا قدم إليه ميت ليصلي عليه، سأل أعليه دين ؟ فإن قالوا لا، صلى، وإن قالوا نعم، قال صلوا أنتم، وهنا امتناعه عن الصلاة على المدين لا يكون ذلك في الحكم على الميت، ولكن في حكم الدين الذي هو عليه، ويكون حثا على أداء الديون قبل الوفاة، فإن توفي وعليه ديون فعلى ورثته المبادرة بسداد ديونه، وهذا أيضا فيه مفاضلة كونه يصلي على هذا ولا يصلي على ذاك، فكذلك هنا يشهد على هذا أو لا يشهد على ذاك، وليس ما يشهد عليه في الصراحة والإباحة كالذي لا يشهد عليه، إذا أقل مراتبه الكراهية، أما لما جاء فقال له ” فإني لا أشهد على جور” والجور هو الظلم، فهنا اشتد الأمر، والإجابة عليه ليست وافية، فإنهم قالوا يكون للكراهية.

ولكن الأسلوب من حيث هو يدل على النهي والنفي، وهنا عطاء أحد الأولاد بعض المال، فهل هذا يصح أم لابد من التسوية بين الأبناء ؟ ويهمنا في حديث النعمان بن بشير أنه كان صغيرا، وقيل فى رواية “فانطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله” وقيل ” يمشي بي” وجمعوا بأنه لصغره تارة يمشي وتارة يحمله كما يفعل الأب مع ولده الصغير، يحمله شيئا ثم ينزله ويمشي معه شيئا آخر، إذا، أبوه كان قد استلم مكانه، وقبض الهبة من نفسه وهذا كما يقولون بالولاية، ولو أن أجنبيا أهدى لطفل وأبوه موجود فأبوه يقبض عنه، أو كان يتيما وله وصي فوصيه يقبض عنه، لأن الصغير دون البلوغ ليست له صلاحية القبض ولا القبول، فوليه يقبل الهدية ويقول قبلتها لفلان، ويقبضها عنه ويحوزها لديه.