مفرق الجماعات الموت ” جزء 4″ 

الدكرورى يكتب عن مفرق الجماعات الموت ” جزء 4″ 

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

مفرق الجماعات الموت ” جزء 4″

ونكمل الجزء الرابع مع مفرق الجماعات الموت، وكم من شخص وقد نزل به الموت، فإذا به قد خفت صوته وصياحه، وضعفت قوته وخارت قواه، والكرب قد تصاعد على قلبه بألم شديد، حتى غلب على كل موضع من جسده، فهدّ كل جزء وأضعف كل جارحة، أما العقل فقد غشيه الألم وشوشه، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها، وكم يود المحتضر، لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح ولكنه لا يستطيع، وقد انتشر الألم في داخله وخارجه، وتقلص لسانه، واخضرت أنامله، وبردت أطرافه، والناس حوله باكون، ينادونه يا فلان، يا فلان، وهو في حال أخرى وعالم آخر، يرى ما لا يرون ويسمع ما لا يسمعون، يرى الملائكة وقد جاءوا لقبض روحه.

فيقول عز وجل ” فلولا إذا بلغت الحلقوم، وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون” فإما مبشر برحمة من الله ورضوان وإما مبشر بغضب من الله ولعنة، إما أن تنزل عليه ملائكة بيض الوجوه وإما أن تنزل عليه ملائكة سود الوجوه، وإن من بركات ذكر الموت هو محور الفضائل، فلذكر الموت فضائل جمة لا تعد ولا تحصى، فذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة ويقوي القلب بمواعد الله ويرق الطبع ويكسر أعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا، وكذلك من بركات ذكر هادم اللذات هو محبة الله، لأن ذكر الموت يجعلك قريبا من الله مدركا لحضورك بين يديه، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق رضى الله عنه أنه قال.

“أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيّة خميس في مسجد قباء فقال هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعسل مخيض بعسل، فلمّا وضعه على فيه نحّاه، ثم قال صلى الله عليه وسلم شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه، لا أشربه ولا أحرّمه، ولكن أتواضع لله، فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر حفظه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله” وكذلك من بركات ذكر الموت هو المسارعة إلى الخيرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أديموا ذكر هادم اللذات قالوا يا رسول الله وما هادم اللذات، قال الموت فإنه من أكثر ذكر الموت سلى عن الشهوات ومن سلى عن الشهوات هانت عليه المصيبات ومن هانت عليه المصيبات سارع في الخيرات”

وهادم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثر” ومعنى ذلك أنه متى ذكر الموت في قليل من الرزق استكثره الإنسان لاستقلال ما بقي من عمره، ومتى ذكره في كثير قلّله لأن كثير الدنيا إذا علم انقطاعه بالموت قل عنده، وعن الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه قال “من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا بالكفاف” وكذلك من بركات ذكر الموت هو الزهد في الدنيا، فعن الإمام الصادق رضى الله عنه قال “أكثروا ذكر الموت، فإنه ما أكثر ذكر الموت إنسان إلا زهد في الدنيا” والزهد في الدنيا يستلزم الإعراض وعدم الرغبة بها، فعن الإمام علي رضى الله عنه قال “من أكثر من ذكر الموت قلت في الدنيا رغبته” وعنه رضى الله عنه “من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير”

وعنه رضى الله عنه “أكثروا من ذكر الموت فإنه يمحق الذنوب ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم” وإن من بركات ذكر الموت هو عدم اللهو واللعب، فعن الإمام على رضى الله عنه في حديث له عن عمرو بن العاص “أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة” فذكر الموت يجعل من الإنسان إنسانا مسؤولا، كما أن نسيانه ونسيان الآخرة من بعده يحرف الإنسان عن جادة الحق إلى جادة الضلالة والعمى، وكذلك من كرامات ذكر الموت هو أفضل الطاعات، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة ذكر الموت، وأفضل التفكر ذكر الموت، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة”